التي يتضح فيها تأثير مونتين وباكون. وبانتهاء هذا القول، ينتهي الطور الأول من تاريخ المقالة الإنكليزية، هذا الطور الذي يشمل مرحلة التأثر بمونتين أولا ثم به وبباكون ثانيا.
أما الأول فقد طبعها بطابع الصراحة والحرية في التعبير والحرص على إبراز العنصر الشخصي. وأما الثاني فقد ترك فيها خصائصه في التركيز والاحتجاز والموضوعية. واجتمع أثرهما فيها فيما أبداه الكتاب من عناية بالموضوعات الأخلاقية بمعناها الواسع، على أن تعالج هذه الموضوعات في ظل الحِكم الكلاسيكية السائرة، أو بالروح الكلاسيكية في الأخلاق والتأملات.
وكانت الفضائل والرذائل التي حرصوا على شرحها وبسطها للناس وتبيان منافعها أو أضرارها، تنعكس على شخصية المؤلف، فتتأثر بنظرته الخاصة إليها، منحية جانبا نظرة المجتمع الذي كان يتقلب فيه. أما شئون المجتمع المختلفة، من عادات ونظم وتقاليد، فقد كانت لا تلقى منهم إلا بعض العناية لأنهم كانوا ما يزالون يعيشون تحت وطأة النزعة الفردية العنيفة التي خلفها عصر النهضة في نفوس أبناء القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد كان لعصر النهضة أثرا آخر في أساليبهم يتضح لنا من توافدهم على الأدب الكلاسيكي، الإغريقي واللاتيني، وحرصهم على أن يقتبسوا منه، وعلى أن يشيروا إلى أحداثه وشخصياته، بمزيد من العناية والتوقير.