للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رصفها وتنسيقها لكي تحجب ما في تفكيره وخياله من ضحالة وسطحية. ومال إلى المبالغة في التلفيق والتصنع، والغلو في إيراد الصفات المؤكدة التي تكسب الكلام قوة مفتعلة وعنفا في غير موضعه. وقد أشار المازني إلى ذلك في "الديوان" فقال عنه:

"فهو لا يزال يعالج الإقناع والتأثير بضروب من التأكيد والغلو والتفصيل وغير ذلك، مما ليس أدل منه على الكذب والتزوير، لما وقع في وهمه من أنه يكسب الكلام قوة وشدة، لا يفيدهما أن يلقيه ساذجا ويدعه غفلا. وأول ما يستوقف النظر فيه من هذا، ولعه بالمفعول المطلق وتكلفه له لظنه أنه من المحسنات اللازمة للصقل، وأن العبارات بدونه تكون مبتورة، والجمل لا يجري فيها النفس إلى آخره دون توقف واعتراض"١.

وأسلوب البشري وسط بين الترسل والسجع، يختار له الألفاظ المجلجلة ذات الجرس القوي والعبارات الضخمة الرنانة، لكي يستأثر بانتباه القارئ ويوهمه بأن الكتابة عمل ضخم رائع يحتاج إلى ذخيرة من الأوابد، ومقدرة على معاناة التفصح الثقيل والتعالم الممجوج. ولكن هذا الأسلوب يتفاوت بتفاوت الغرض، فهو حين يميل إلى الفكاهة والمداعبة، يلتزم تقصير الفواصل، وإيراد العبارات الرشيقة التي لا تعصف بما تحتاج إليه الفكاهة من سرعة ولمح.

وأسلوب طه حسين يجمع بين موضوعية العلم وذاتية الفن، ففيه لذة للعقل والشعور والذوق معا. وهو متأثر بالجاحظ في حرصه على تلوين العبارة وتنويع الصور والأفكار بما ينفي الملل عن القارئ. وهو


١ الديوان ج٢: ٢٢، ٢٣.

<<  <   >  >>