للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا أحد الأمرين، والأمر الآخر يتصل ببساطة الأستاذ التي أشرت إليها في أول هذا الفصل. فما أكثر ما يقف الأستاذ عند الأوليات التي لا تخفى على أحد فيبسطها بسطا ويفصلها تفصيلا، ويطيل فيها كأنه يعالج بعض المشكلات الغامضة"١.

وأسلوب الزيات يعتمد على الصنعة المحكمة والتكلف المرهق، وتوفير القيم اللفظية والتوازن الموسيقي، ولو أدى ذلك إلى هدر المعنى والافتئات على الفكرة. فهو ضفيرة منسقة من الألفاظ الموسيقية المجلجلة، أو قطعة عن الفسيفساء أبدعتها يد فنان صناع، أو هو قوالب جاهزة يلبسها لكل فكرة، ويلقيها على كل موضوع، دون أن يحاول الخروج عن النسق المعتاد، أو السنة المقررة، ودون أن يعني بتحوير القالب وتهذيبه بحيث يلائم الشكل المطلوب. وهو بهذه "اللفظية" المحكمة، يتنكر للبلاغة، ما دامت البلاغة ملاءمة الكلام لمقتضى الحال.

ولا نستطيع أن نتحدث عن المازني، دون أن نلم بصديقه وعشير صباه العقاد، على ما كان بينهما من تباين، بل تناقض، في تناول الحياة والتعبير عنها، كأنهما جوادان شدا إلى عربة واحدة، كل منهما يجرها في طريق معاكس للآخر. فالعقاد كاتب متجهم القلم، ذو طبيعة جدية، يكتب كمن يحمل أعباء التاريخ على كاهله، أو كمن وكل بعقول الناس يتناولها بالتشذيب والتهذيب. لا يعبث بموضوعه ولا يحيله إلى مهرجان من السخرية والضحك، يعيش في برجه العاجي، ويرود آفاقا سامية نبيلة ولا يتدنى إلى العادي من مشكلات الحياة اليومية؛ وهو إن أراد أن يزيح عن كاهله نير الجد، وأن يطلق أساريره بالبشاشة والمرح، أو إذا ألحت عليه نزعة التطرف الذي عرف عنه في مجالسه الخاصة وندواته الأدبية،


١ فصول في الأدب والنقد: ص٢٠، ٢١.

<<  <   >  >>