وعندما تجيل نظرك في مجموعات مقالاته. لا تقع عينك إلا على كل رصين متزمت من الموضوعات. وعنوانك كتبه توحي بهذا العبوس الجاد. على عكس المازني الذي نستطيع أن تلم بملامحه الفارقة. من أسماء كتبه، كقبض الريح، وخيوط العنكبوت، وصندوق الدنيا، وحصاد الهشيم ...
وهذا لا يعني أن المازني أقل حكمة وعقلا من رفيق عمره وعشير صباه. بل أن نظرته إلى الحياة، في بعض الأمور، أشد عمقا وأكثر أصالة. ولكنه مرح فكه ثرثار عابث، يرضيه أن يبث قارئه كل ما في قلبه، أما العقاد فلا يتيح لأفكاره أن تستقبل القراء إلا بعد أن يستن لها مقصا حادا قاسيا لا يرحم.
والمازني كلما حاول الجد -وهو قلما يحاول ذلك- خانته طبيعته فاستثقل مسوح الوعاظ، وألقى عن كاهله طيلسان المفكر العابس، أو الأستاذ الجامعي المتزمت. فكأنه كان يكتب كتبه، ونصب عينيه قولة مونتين المشهورة ... "هذا الكتاب يقوم على موضوع بيتي خاص، وقد وقفته على أصدقائي حتى إذا ما افتقدوني -وهذا ما سيحدث سريعا- وجدوا فيه بعض ملامح من أحوالي وفكاهتي. وهكذا يتاح لهم أن يختفظوا بمعلوماتهم عني على صورة أكمل وبطريقة أكثر حيوية".
ولذا فهو يسعى أن يعرض على القارئ صورة نفسه، صادقة واضحة، بما فطرت عليه من دمامة أو جمال، وبما امتازت به من أساليب في التفكير والتأمل، وما علق بها من غبار التجارب، وما جنته من ثمار الحياة، حلوها ومرها، ناضجها وفجها. وكان إذا ما وضع قلمه على القرطاس، انهالت عليه الأفكار الطريفة، والصور المونقة، واللفتات