قيمة تربوية وتاريخية. وكذلك تلميذه بليني الأصغر، الذي تعتبر رسائله نوعا من مقالات الرسائل. ومنهم الإمبراطور ماركوس أوريليوس "في القرن الثاني ب. م" الذي يعكس كتابه "التأملات" صفات المفكر المتأمل الذي يفيض خواطره على القرطاس بأسلوب متدفق حر طليق، وهو الأسلوب الذي كتب به المقالة فيما بعد.
ولكن أهمهم دون شك، وأشدهم اتصالا بموضوعنا، شخصيات ثلاث تألقت في سماء الأدب اللاتيني وهم: شيشرون "١٠٦-٤٣ ق. م" وسنيكا "توفي ٦٥ ب. م" وأولوس جيليوس "في القرن الثاني بعد الميلاد". وقد قدم شيشرون لرواد المقالة الحديثة، وخاصة في مقالتيه "الشيخوخة" و"الصداقة"، مثلا يحتذى من حيث الصورة والمضمون. ولكن سنيكا تفوق عليه في ذلك إذ كانت رسائله إلى لوسيليوس، كما قفال باكون، نوعا من المقالات أو "المحاولات". وهي تعكس لنا مدى تحضره وعمق تأملاته الرواقية، وسموه عن مستوى العامة في التفكير، وبراعته في التحليل بأسلوب بليغ يجمع بين القوة والسلالة، وبهذا كانت معينًا ثرًّا نهل منه كتاب المقالة الأول في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل إن مونتين نفسه نظر إلى أسلوبها في عدد من مقالاته.
و"الليالي الأتيكية" لجيليوس، من أقرب المحاولات الأدبية إلى صورة المقالة الشخصية التي عرف بها مونتين. وهي تحتوي تعليقات موجزة حرة، تتناول بعض الموضوعات التي عبر بها الكاتب أثناء مطالعته.