ميادينها، فيتحيز أحدهم للقديم، ويتصدى له الآخر، يرد دعواه ويبطل آراءه، وتمثلث هذه المعركة على صفحات الرسالة والثقافة في ميدان الأدب. وخير ما يمثلها في الميدان الاجتماعي مقالة "سلطة الآباء" لأحمد أمين. وهو يتحدث فيها أولا عن ذلك الزمان الذي كان فيه الأب هو الآمر الناهي في الأسرة، والحاكم المطلق في جميع شئون أفرادها، من دينية ودنيوية. ثم ينتقل إلى الحديث عن هذا الزمان الذي صار فيه الأبناء آباء والمرءوس رئيسا والرئيس مرءوسا. وعرض لمشكلة لا بد من أن تحدث في كل أسرة، وهي مشكلة زواج الفتى والفتاة، وشرح المطالب الفادحة والشروط القاسية التي تتقدم بها الزوجة، بأسلوب ساخر فكه، يبين مدى الفرق بين الزواج العصري، والزواج القديم. ثم تحدث عن حياة هذه الأسرة الجديدة، حين عمر بيتها البنون والبنات، فقال:
وشاء الله أن يرزقا بنين وبنات.
وقد رأوا أن الأم لا تجل الأب فلم يجلوه، ولم تعره كبيرة التفات فلم يعيروه، ورأوها تبذر في مال الأب فبذروا, ورأوها حرة التصرف فتحرروا، ورأوها تخرج من البيت من غير أذان الأب فخرجوا خروجها، وتعود متى شاءت ففعلوا فعلها، ورأوها لا تتدين فلم يتدينوا، ورأوها تطالب الأب ألا يفتح رسائلها فطالبوا، ورأوها تتكلم في المسائل الدقيقة أمام أبنائها وبناتها في صراحة فتفتحت شهواتهم، وتحركت رغباتهم، وجمحت تخيلاتهم.
وقال الأبناء لأبيهم: إنا مخلوقون لزمان غير زمانك فاخضع لحكم الزمان، وقد نشأنا في زمن حرية في الآراء، وحرية في الأعمال، وحرية في التصرف، لا كما نشأت في جو من الطاعة والقيد والأسر والتقاليد، فمحال أن يسع ثوبك الضيق أبداننا، وتقاليدك العتيقة البالية