للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- وصف الرحلات: وقيمتها متأتية من أنها تصور لنا تأثر الكاتب بعالم جديد لم يألفه، والانطباعات التي تركها في نفسه، ناسه وحيوانه ومشاهده الطبيعية وآثاره، فهي بهذا مغامرة ممتعة تقوم بها روح حساسة في أمكنة جديدة وبين أناس لم يكن لها بهم سابق عهد. والرحالة العابر الذي يكتفي بحسو الطائر لا يستطيع أن يقدم لنا صورة حية عن رحلته، بوسعنا أن نألفها ونتعاطف معها ونعيد تجربته فيها بأنفسنا. بينما الرحالة المتبصر المتأمل، يسحب صفاته العقلية والنفسية على تلك المشاهد التي تقع عليها عينه، ويجمع الملاحظات ويقارن بينها ويتناولها بالنخل والاصطفاء، ويحاول أن يفهم المعاني الحقيقية التي تكمن وراء المرئيات التي تقع عليها عينه. فالرحلة إذن في نظره، ليست سوى تجربة إنسانية حية يتمرس بها ويجعل التعرف إلى دقائقها واستكناه خفاياها وكده، فيخرج منها أكثر فهما وأصدق ملاحظة وأغنى ثقافة وأعمق تأملا. وهي تتطلب منه عقلا حساسا مرنا سريع التأثر والتكيف والاستجابة، بوسعه أن يدرك معاني المرئيات وأن يحللها إلى خصائصها الأساسية ويقدر قيمتها حق قدرها. وشر ما يعتري هذه المقالة تدنى الكاتب إلى العاطفية المسرفة، وتكلفه المواقف التي وقفها غيره أمام المشاهد التي يستوعبها بصره وبصيرته. فهنا التزييف والتصوير والتمويه. ثم إن كتب الجغرافيا وخرائط البلدان، تستطيع أن تقدم للقارئ مادة علمية تتسم بميسم الصدق والدقة، إلا أن هذه الحقائق التي تعرضها على القارئ هي الحقائق العلمية الجافة، التي كثيرا ما تكون عرضة للهدر والتجاوز إذا ما اتسع نطاق الاكتشافات أو ازدادت معرفة العلماء بحقائق هذا الكوكب الذي نعيش عليه. والقارئ الذواقة لا يبحث عن شيء من ذلك، بل يعنيه أن يرى التفسير الذي تجود به شخصية إنسانية ملهمة، دقيقة الإحساس بارعة

<<  <   >  >>