للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصْد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا أن يتأهّب معاذ لمن سيقدَم عليهم، وأنهم أهل كتاب يحتاجون إلى استعداد علمي للمجادلة والمناظرة.

وفي هذا أنه يجب على الداعية معرفة حالة المدعوين، وهذا من منهج الدعوة: أن الداعية ينظر في حالة المدعوين، ويخاطب كلاً منهم بحسب ما يليق به، فإن كان يخاطب علماء فإنه يخاطبهم بما يليق بهم، وإن كان يخاطب عواماً يخاطبهم بما يليق بهم، الناس ليسوا على حد سواء، فلا يليق بالداعية أنه يخاطب العلماء بخطاب الجهال، ولا يليق به أنه يخاطب الجهال بخطاب العلماء، ولا يليق بالداعية أنه يخاطب السلاطين بخطاب عامة الناس، أو يخاطب عامة الناس بخطاب السلاطين، كل يخاطبه بما يرى أنه أقرب إلى قبوله للحق، قال الله تعالى لرسوليْه موسى وهارون عليه السلام لما أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .

قوله: "فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلاَّ الله" هذا فيه التدرّج في الدعوة، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وهذه طريقة الرسل، أنهم أول ما يبدءون بالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، لأنها الأصل والأساس، الذي يُبنى عليه الدين، فإذا تحققت شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فإنه يمكن البناء عليها بالأمور الأخرى، أما إذا لم تحقق شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فلا فائدة من بقية الأمور، فلا تأمر الناس بالصلاة وعندهم شرك، ولا تأمرهم بالصيام والصدقة والزكاة وصلة الأرحام وكذا وكذا وهم يشركون بالته، لأنك لم تضع الأساس أولاً، وهذا بخلاف كثير من دعاة اليوم الذين لا يهتمون بشهادة أن لا إله إلاَّ الله، وإنما يدعون الناس إلى ترك الربا، والى المعاملات الحسنة، وإلى الحكم بما أنزل الله، وإلى، وإلى، لكن التّوحيد لا يذكرونه، ولا يلتفتون له، وكأنه ليس مفروضاً، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله، فهؤلاء مهما أتعبوا أنفسهم فإن عملهم لا ينفع، حتى يحققوا الأصل في الأساس الذي تُبنى عليه أمور الدين، من: حاكمية، ومن صلاة، ومن زكاة، ومن حج، إلى آخره، هذا منهج الأنبياء: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ، وكذلك ذكر الله عن نوح عليه السلام أنه قال أول ما قال لقومه: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>