للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخيل وإنتاج للتمور، ويُضرب المثل فيقال: كجالب التمر إلى خَيْبَر، أو كجالب التمر إلى هجر، يعني: أن الذي يأتي بشيء إلى بلد هي تُنْتِج ذلك الشيء يصبح كجالب التمر إلى خَيْبَر، ولهذا يقول حسان رضي الله عنه.

إنا ومن يُهدي القصائد نحونا ... كمُسْتَبْضِع تمراً إلى أهل خَيْبرَا

وكانت خيبر بلاداً يَقْظُنُها اليهود، وجلا إليها اليهود من المدينة، لما أجلاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم بنو النضير الذين غدروا بالعهد فحاصرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اصطلحوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يتركوا له ما معهم من السلاح والقوة، ويجلوا إلى خَيْبَر وإلى أَذْرِعات بأرض الشام، كما ذكر الله ذلك في أول سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ} إلى آخر الآيات، فهؤلاء هم بنوا النضير من اليهود، ثم إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزاهم في السنة السابعة من الهجرة، بعد صُلح الحُدَيْبِيَة، وقبل فتح مكة، ومكّنه الله منهم، وفتح خَيْبَر، وحصل المسلمون منها على خيرات كثيرة، ثم إنهم تعاقدوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يبقوا فيها عمّالاً للمسلمين، يزرعونها بأجرة، فأقرّهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقوا فيها إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقرهم فيها إقراراً دائماً، وإنما قال: "نُقِرُّكُم فيها ما شئنا"، حاصرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشتد الأمر بالمسلمين في الحصار من قلّة ذات اليد، ومن طول الحصار فبشرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه البشارة من أجل أن يَذهب عنهم ما يجدون من المشقّة وطول الانتظار.

قال الشيخ رحمه الله: "في هذا ما يجري على أولياء الله من الجوع، ومن الوباء" يعني: ما جرى عليهم في هذا الحصار من المشقّة، مع أنهم أولياء الله، وفيهم رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع هذا نالهم مشقّة وجوع في هذا الحصار، وفي هذا دليل على أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وأن الجوع والفقر ليسا دليلاً على بغض الله لمن يصيبه ذلك، فإن هذا قد يصيب أفضل الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>