للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} الآية.

ــ

من يقول: الله الله"، لأن الأرض لا تبقى إلاَّ فع التّوحيد، لأن لا إله إلاَّ الله كلمة قامت بها السموات والأرض، ونُصبت من أجلها الموازين، وأُسست المِلّة، وفُرض الجهاد، من أجل لا إله إلاَّ الله، فهذه الكلمة لا تزال، لكن أحياناً يكثر أنصارها والقائمون بها، وأحياناً يقلُّون، إلاَّ أنهم لا ينعدمون إلاَّ عند قيام الساعة، حتى ولو كثر الشرك، فإنه يكون في الأرض من يعبد الله وحده لا شريك له إلى قرب قيام الساعة.

{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: يرجعون إليها، ويحققونها، وهذا حاصل والحمد لله، فإنه وإن حصل الشرك وكثر، فإن من ذرية إبراهيم عليه السلام من يرجع إلى التّوحيد الصحيح ويدعو إليه ويجدّده للناس، فهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.

فهذه الآية- كما ذكرنا- دلّت على أن معنى التّوحيد، وشهادة أن لا إله إلاَّ الله: البراءة من الشرك، وإفراد الله تعالى بالعبادة، فهي تفسِّر لا إله إلاَّ الله.

الآية الثالثة: قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} تتمة الآية: {وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} {أَحْبَارَهُمْ} الأحبار: جمع حَبْر، أو حِبِر، وهو العالم. والرهبان: جمع راهب، وهو العابد.

والأحبار والرهبان موجودون في اليهود والنصارى، فاليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، بأيِّ شيءٍ اتخذوهم أرباباً من دون الله، فسرّ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَدِّي بن حاتم الطائي؛ لما جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} "، واستشكلها عدي، لأنه كان نصرانيًّا، فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أليسوا يحرّمون ما أحل الله، فتحرمونه؟ قال: بلى، قال: "أليسوا يحلُّون ما حرّم الله، فتحلُّونه؟ قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم".

فمعنى: " {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ} " أنهم أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ فدلّ هذا على أن من أطاع مخلوقاً في تحليل ما

<<  <  ج: ص:  >  >>