للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرّم الله أو تحريم ما أحل الله، فقد اتخذه ربًّا يعبده من دون الله، وهذا ما يسميه العلماء بشرك الطاعة.

والشاهد من الآية للباب: أنها دلّت على أن من معنى لا إله إلاَّ الله: أن لا يُطاع إلاَّ الله سبحانه وتعالى، وأن من أطاع أحداً في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذه ربًّا من دون الله.

لكن إذا كان يعتقد أن تحليل الحرام وتحريم الحلال أمر جائز، فهذا شرك أكبر يخرجه من الملّة، أما إذا لم يعتقد جواز هذا، بل يعتقد أن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى، ولكنه فعله من باب الهوى، أو من باب تحصيل بعض المصالح، فهذه معصية عظيمة، لكنها لا تصل إلى حد الشرك الأكبر فطاعة المخلوقين في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا تجوز أبداً، لكن فيها تفصيل من حيث الكفر والشرك وعدم ذلك.

والحاصل من هذا كله: أن الآية الكريمة دلّت على أن من تفسير التّوحيد وشهادة أن لا إلاَّ الله أن لا يُطاع إلاَّ الله سبحانه وتعالى في الحلال والحرام، وأن من أطاع مخلوقاً في التحليل والتحريم فقد اتخذه ربًّا من دون الله عزّ وجلّ.

ويشهد لهذه آيات أخر كما ذكر الله في سورة الأنعام لما ذكر أن المشركين يستبيحون الميتة، مع أن الله حرّمها ونهى عباده عنها، وأخبر أن المشركين سيجادلون المؤمنين في ذلك، ثم قال: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} إن أطعتم المشركين في استباحة الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .

ويقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ} يعني: من الحلال والحرام والعبادة ما لم يأذن به الله، فالتشريع حق لله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يُطاع فيه أحد من المخلوقين غير الرسل، فمن أطاع أحداً من المخلوقين في التشريع؛ فإنه قد اتخذه شريكاً لله عزّ وجلّ، وهذا من معنى لا إله إلاَّ الله وهو إفراد الله تعالى بالطاعة في تحريم ما حرّمه وتحليل ما أحلّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>