للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله أكبر، إنها السُّنَن، قلت- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سُنَن من قبلكم" رواه الترمذي وصحَّحه.

ــ

"ويُنَوطُون بها أسلحتهم" النَّوْط هو: التعليق، وغرضهم من هذا العكوف والنوط التبرك بهذه الشجرة.

"فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أَنْوَاط كما لهم ذات أَنْوَاط" أعجبهم عمل المشركين، فظنوا أن هذا عمل سائغ، وهم يحرصون على تحصيل البركة، فطلبوا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل لهم شجرة يَعْكُفُون عندها، ويَنُوطُون بها أسلحتهم طلباً للبركة، ولكن انظروا إلى أدب الصحابة مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث لم يقدموا إلى هذا الأمر من عند أنفسهم، بل رجعوا إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالمسلم إذا أعجبه شيء ويظن أنه خير فلا يستعجل حتى يعرض هذا على الكتاب والسنة ويسأل عنه أهل العلم الثقات.

فهذا فيه دليل على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة في أمور العبادة، وأن الإنسان لا يعمل باستحساناته، أو استحسانات غيره، بدون أنه يرجع إلى الكتاب والسنة، وهذا يدل على أن العبادات توقيفية.

فقوله: "فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أَنْواط" يعني: شجرة نعلّق بها أسلحتنا للبركة، ونجلس عندها للبركة. "فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله كبر، إنها السُّنَن" النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب لما قالوا له هذا الكلام وتعجّب، وكبّر الله سبحانه وتعالى تنزيهاً لله عزّ وجلّ عن هذا العمل. وهذه عادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أعجبه شيء أو استنكر شيئاً أنه يسبح أو يكبر.

"إنها السُّنن" أي: الطرق المسلوكة، أي: السبب أن الذي أوقعكم في هذا هو التَّشَبُّه بما عليه الناس، فالتَّشَبُّه بالكفار في عباداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم، آفة خطيرة: "من تشبه بقوم فهو منهم"، وما أصاب بعض المسلمين من الأمور الشنيعة، أغلبه من جهة التَّشَبُّه بالكفار، أوّل ما حدث الشرك في مكة هو بسبب التَّشَبُّه بالكفار، لأنه لما ذهب عمرو بن لُحَيْ إلى الشام، ووجد أهل الشام يعبدون الأصنام، أعجبه ذلك، وجلبها إلى الحجاز، ومن ذلك الوقت فشا الشرك في أرض

<<  <  ج: ص:  >  >>