للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" {إنَّ صَلاتِي} " الصلاة في الشرع يُراد بها: العبادة المبتدئة بالتكبير المختتمة بالتسليم، التي تشتمل على عبادات قلبيّة وقوليّة وعملية، فالصلاة تشتمل على أنواع العبادة في القلب: من الخشوع، والخشية، والإقبال على الله سبحانه وتعالى، وباللسان: من التكبير، والتحميد، والثناء على الله، وتلاوة كتابه الكريم، ومناجاة الرب سبحانه وتعالى، وبالجوارح: من القيام، والرّكوع، والسجود، والجلوس. فالصلاة عبادة عظيمة، يجتمع فيها ما لا يجتمع في غيرها من أنواع العبادات، ولذلك جعلها الله عمود الإسلام، وجعلها الركن الثاني من أركان الإسلام.

" {وَنُسُكِي} " النُّسُك المُراد به: ما يذبح من بهيمة الأنعام على وجه التقرّب والعبادة، كهَدْي التمتُّع والقِران، وهَدْي التطوُّع، وهَدْي الجُبران، والأضاحي، والعقيقة، هذه كلها تُسمى نُسُكاً، فما ذُبح من بهيمة الأنعام على وجه التقرّب إلى الله تعالى بذبحه، فهو النُّسُك.

وكان الذبح على وجه التقرُّب موجوداً في الجاهلية، كانوا يذبحون للأصنام، ويذبحون للجن، ويذبحون للكواكب، يذبحون لغير الله عزّ وجلّ، ولهذا يقول النابغة في قصيدته:

لا والذي قد زردته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد

الأنصاب: الأصنام.

وهُرِيق، يعني: سُفك من الدماء من جسد، يعني: من ذبيحة.

فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن أن دينه مخالف لدين المشركين، فالمشركون يذبحون لغير الله، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَن اتبعه يذبحون لله وحده لا شريك له، كما أنهم لا يصلُّون إلاَّ لله فكذلك لا يذبحون إلاَّ لله سبحانه وتعالى، وقَرْن النُّسُك بالصلاة يدلّ على أنه عبادة عظيمة، لا يجوز صرفها لغير الله، والنسك قد تساهل فيه كثير من الناس فصاروا يذبحون للجن طاعة للمُشَعْوِذِين من أجل العلاج بزعمهم.

" {وَمَحْيَايَ} ": ما أحيا عليه في عمري من العبادة كله لله عزّ وجلّ.

" {وَمَمَاتِي} ": ما أموت عليه- أيضاً- لله عزّ وجلّ، فيموت على التّوحيد، فمعنى الآية: أنه يحيا على التّوحيد، ويموت على التّوحيد، ثم أكد ذلك بقوله: {لا شَرِيكَ لَهُ} في ذلك وفي سائر أنواع العبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>