للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) } .

ــ

" {رَبِّ الْعَالَمِينَ} " الرب هو: المالك، والعالمين جمع عالَم، وهو: ما سوى الله عزّ وجلّ من المخلوقات، فكل المخلوقات ربها واحد، هو الله سبحانه وتعالى، لكن قد يُقال لمالك الشيء: ربه، مثل: رب البيت، رب الحاجة، رب السيارة، رب الدراهم، وهذا مقيّد، أما إذا قلت الرب، أو رب العالمين، فهذا لا يكون إلاّ لله سبحانه وتعالى.

أما هذه الأصنام وهذه الأوثان، فلا تستحق العبادة لأنها مملوكة لله سبحانه وتعالى، ومعبدة لله سبحانه وتعالى، والعبد لا يُعبد، حتى ولو كان من أشرف العباد كالملائكة والرسل والأولياء، كلهم عبيد لله سبحانه وتعالى.

وذكر عبادتين عظيمتين: الصلاة والنُّسُك، لأن الصلاة عبادة بدنيّة، والنُّسُك عبادة ماليّة، وهي من أفضل العبادات المالية.

قال: " {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} " أمرني ربي سبحانه وتعالى، فدلّ على أن العبادات توقيفيّة، لا يصلح منها شيء إلاَّ بأمر الله سبحانه وتعالى.

ثم قال: " {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} " أي: من هذه الأمة، فالأوليّة هنا نِسْبِيَّة، وإلاَّ فالرسل والمؤمنون من قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم مسلمون، بمعنى أنهم مخلصون العبادة لله عزّ وجلّ.

والإسلام هو الاستسلام لله بالتّوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله، هذا هو الإسلام، وهذا دين جميع الرسل- عليهم الصلاة والسلام، فقوله: " {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} " أي: من هذه الأمة.

كما أنّ الآية- أيضاً- تدلّ على أن الرسول أول من يبادر إلى امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يتأخر عن امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، فكذلك يجب على المسلم أن لا يتأخر عن الامتثال والمبادرة إذا أمره الله بشيء يكون من أول من يفعل ذلك، فمن أمر بشيء من المعروف والطاعة، فإنه يجب عليه أن يكون أول من يفعله.

قال: "وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) } " هذا أمر من الله لنبيه أن يُخلص الصلاة لله عزّ وجلّ، وأن يخلص النحر- وهو: الذبح- لله عزّ وجلّ.

قالوا: وهذا شكر لله سبحانه وتعالى لما أعطاه الكوثر، فإن الله سبحانه وتعالى أمره أن يشكره على

<<  <  ج: ص:  >  >>