للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها إما أحجار جامدة، وإمّا صور وتماثيل، وإما قبور هامدة، وإما أشجار، أو غير ذلك، فهي مخلوقات لا تقدر على جلب نفع ولا دفع ضرر، فالدعاء إنما يصلح أن يوجه لمن يقدر على ذلك، وهو الله سبحانه وتعالى.

" {فَإِنْ فَعَلْتَ} " يعني: دعوت غير الله مما لا ينفعك ولا يضرك، وهذا من باب الافتراض، وإلاّ محال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفعل ذلك، ولكن لو قُذُّر أنه فعله وهو أكرم الخلق، فإنه يكون من الظالمين، فكيف بغيره، إذا دعا غير الله؟، وهذا مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) } يعني: أوحي إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى غيره من الأنبياء السابقين أنه لو قُدِّر أن أحداً منهم- وحاشاهم عليهم الصلاة والسلام- دعا غير الله، وأشرك بالله حبط عمله، وصار من الخاسرين ولو كان من الأنبياء، فكيف بغيرهم؟، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى إبراهيم وذريته، فقال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦) } ، لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنبياءه في هذه الآيات قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، لو أشرك هؤلاء الأنبياء {لَحَبِطَ} أي: لبَطَلَ {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بطلت جميع أعمالهم. فدلّ على أن الشرك مُحبط للأعمال، ولو صدر من خير الخلق، وهم الأنبياء، فكيف إذا صدر ممن هو دونهم؟، إذا هو يُخرج من المِلّة، ويُحبط جميع الأعمال، فالدعاء عبادة، بل هو أعظم أنواع العبادة، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدعاء هو العبادة" كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحج عرفة" يعني: أعظم أركان الحج عرفة، فكذلك أعظم أنواع العمادة الدعاء.

ثم قال تعالى: " {فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} " يعني: من المشركين، لأن الشرك أعظم أنواع الظلم، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، والظلم في الأصل: وضع الشيء في غير موضعه، والشرك وضع للعبادة في غير مستحقها، فلذلك صار أعظم أنواع الظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>