للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله".

ــ

المسلمين، يتلّمس معايب المسلمين، ينال من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينال من المؤمنين، ويتتبّع العثرات. فدلّ على أن إيذاء المسلمين من النفاق.

"فقال بعضهم" لم يسمّ القائل، وقد ورد في بعض الروايات أنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

"قوموا بنا نستغيث برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يعني: نستجير به، ونحتمي به "من هذا المنافق" ليردعه عنا ويكفّه عنا.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استنكر هذه اللفظة، فقال: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله عزّ وجلّ" مع أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادراً على أن يَرْدَع هذا المنافق؟، وأن يُغيث المسلمين من شرّه؟، بلى، هذا من الاستغاثة الجائزة، لأنه استغاثة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقدر عليه، لكن الرسول تأدُّباً مع الله سبحانه وتعالى، وتعليماً للمسلمين أن يتركوا الألفاظ التي فيها سوء أدب مع الله عزّ وجلّ، وإن كانت جائزة في الأصل، فقال: "إنه لا يُستغاث بي" وهذا من باب التعليم وسدّ الذرائع لئلا يُتَطَرَّق من الاستغاثة الجائزة إلى الاستغاثة الممنوعة، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع من شيء جائز خوفاً أن يُفضي إلى شيء غير جائز، مثل ما منع من الصلاة عند القبور، والدعاء عند القبور، وإن كان المصلي والداعي لا يدعو إلاَّ الله، ولا يصلِّي إلاَّ لله، لكن هذا وسيلة من وسائل الشرك، كذلك هنا؛ فالرسول أنكر هذه اللفظة سدًّا للذرائع، وتعليماُ للمسلمين، أن يتجنّبوا الألفاظ غير اللائقة.

فإذا كان الرسول أنكر الاستغاثة به فيما يقدر عليه، فكيف بالاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله سبحانه وتعالى؟، وكيف بالاستغاثة بالأموات؟. هذا أشد إنكاراً.

وإذا كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع من الاستغاثة الجائزة به في حياته تأدُّباً مع الله، فكيف بالاستغاثة به بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، وكيف بالاستغاثة بمن هو دونه من الناس؟. هذا أمر ممنوع ومحرّم. وهذا وجه استشهاد المصنف رحمه الله بالحديث للترجمة.

إذاً فقول البوصيري:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن في معادي آخذاً ... بيدي فضلاً وإلاّ قل يا زلّة القدم

<<  <  ج: ص:  >  >>