للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية: يدعو على صفوان بن أُميّة، وسُهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} .

ــ

قال: "وفي رواية: يدعو على صفوان بن أُميّة، وسُهيل بن عمرو، والحارث بن هشام" هذا تفسير لقوله:

"اللهم العن فلاناً وفلاناً"، وأن المراد بهم هؤلاء الأشخاص، لأنهم من قادة المشركين يوم أحد مع أبي سفيان، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو عليهم لمِا وقع منهم، ولكن الله يعلم من حال هؤلاء وما يؤول إليه أمرهم ما لا يعلمه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هؤلاء تاب الله عليهم وأسلموا، وحسُن إسلامهم رضي الله عنهم.

ولما ارتدّ الناس بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف سهيل بن عمرو خطيباً في أهل مكة يُثبِّتهم على الإسلام، وقال لهم: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأوّلُ من ارتد. فثبت أهل مكة على الإسلام، ولم يرتدُّوا بسب هذا الرجل الذي جعل الله فيه الخير.

فهذا دليل على أن الإنسان مهما بلغ من الضلال، ومهما بلغ من الكفر، فإنه لا ييأس من هدايته، لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى.

وهذا دليل على أنه لا يعلم الغيب إلاّ الله سبحانه وتعالى، وأنك لا تحكم على المعينين بالنار إلاّ من حكم عليه الله سبحانه وتعالى في القرآن، أو حكم عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولهذا من عقيدة أهل السنّة والجماعة: أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلاّ من شهد له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنهم يرجون للمحسنين، ويخافون على المسيئين، ولا يجزمون لأحد لأن العواقب بيد الله سبحانه وتعالى، والإنسان مهما بلغ من الكفر والشرك والعناد، فإنه قد يهديه الله سبحانه وتعالى، ويُصبح من أولياء الله الصالحين.

فهؤلاء أسلموا، وحسُن إسلامهم- رضي الله تعالى عنهم-، مع أنهم آذوا الرسول، وقاتلوه، وآذوا المسلمين، ولكن منّ الله عليهم بالهداية.

فالحاصل؛ أن هذه الآية الكريمة وما جاء في سبب نزولها فيها دليل على بُطلان الشرك، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه سادة المهاجرين والأنصار حصل عليهم من الضرر والهزيمة في وقعة أحد ما حصل، وهم سادات الأولياء، فدلّ على أنه لا يجوز التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، لأن هؤلاء لم يستطيعوا الدفع عن أنفسهم، فكيف يدفعون عن غيرهم، لأن المخلوق مهما كان فإنه مخلوق، وهو فقير إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) } .

<<  <  ج: ص:  >  >>