للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان،

ــ

يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} ، والذي في السماء هو الله سبحانه وتعالى، أي: العلو، هو العلي الأعلى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ، {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، والعرش هو أعلى المخلوقات، وسقف المخلوقات وأعظمها.

وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء، قال لسيّدها: "أعتقها، فإنها مؤمنة" والأدّلة على ذلك كثيرة، وقد صنّف الحافظ الذهبي رحمه الله كتاباً سمّاه: "العلو للعليّ الغفّار" ساق فيه الأدلة على علو الله على عرشه، وهي كثيرة.

قال العلماء: إن أدلة علو الله على عرشه تبلغ ألف دليل أو أكثر من الوحي، ومن الفطرة، ومن الأدلة العقلية، وهذا ثابت لا شك فيه، ولا ينكره إلاّ الملاحدة من الجهميّة وغيرهم.

وقوله: "ضربت الملائكة بأجنحتها" الملائكة من أعظم المخلوقات، لا يعلم عِظَمِ خِلْقة الملائكة إلاّ الله سبحانه وتعالى، وإذا كانوا على هذه الحالة من العِظَم، ومع هذا لا تصلح عبادتهم من دون الله، فهم مع قوّتهم وعِظَم خِلْقَتهم يخافون من الله سبحانه وتعالى، إذا سمعوا كلامه ضربوا بأجنحتهم. وهذا فيه إثبات الأجنحة للملائكة، وهي ثابتة بالقرآن كما في قوله تعالى: {رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ} .

"خضَعاناً" هذا مفعول لأجله، يعني: لماذا ضربوا بأجنحتهم؟، لأجل الخضوع لله. وتعظيماً له، وخوفاً منه عزّ وجلّ.

فإن كانت هذه حالتهم فلا يجوز أن يُعبدوا مع الله: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ، قال تعالى في حقهم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} يعني: الملائكة {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} .

"لقوله" أي: لقول الله سبحانه وتعالى، فيه إثبات القول لله، وإثبات الكلام لله جلّ وعلا، وأنه يتكلّم كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، كلاماً يُسمع، تسمعه الملائكة، ويسمعه جبريل، وإذا سمعه الملائكة أصابهم هذا الرُّعب والخوف من الله.

قوله: "كأنه" أي: كأن قوله تعالى ويكَلُّمه سبحانه بالوحي.

"سلسلة على صفوان " تشبيه لصوت الوحي الذي يأتي إلى المَلَك، أو صوت

<<  <  ج: ص:  >  >>