للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالا له: أترغب عن ملّة عبد المطلب؟، فأعاد عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلاّ الله.

ــ

"فقال له" أي: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طالب.

"يا عم" هذا فمه استعطاف.

"قل: لا إله إلاّ الله" يعني: انطق بهذه الكلمة، معتقداً لها بقلبك.

"كلمة أحاج لك بها عند الله" "كلمة" منصوب على أنه بدل من: لا إله إلاّ الله، لأن لا إله إلاّ الله في محل نصب، مقول القول، وكلمة بدل منها، وبدل المنصوب منصوب، لأنه أحد التوابع الأربع.

"أحاج لك بها عند الله" يعني: أشهد لك بها عند الله يوم القيامة، من أجل نجاتك من النار، و"أحاج" مجزوم على أنه جواب الأمر، وحرّك بالفتح من أجل التقاء الساكنين، وإلاّ أصله: أحاجج، فأدغمت الجيم في الجيم فصارت أحاج، التقى ساكنان، فحرّك بالفتح للتخلّص من التقاء الساكنين.

بيّن له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فائدة ذلك، ترغيباً له.

ففيه أن الداعية إلى الله يبيّن للناس الترغيب، يرغّبهم في الخير، ويبيّن لهم العواقب الحسنة إن استجابوا، ويحذرهم من العواقب الوخيمة إن لم يستجيبوا، فالداعية يبشر وينذر.

ولكن جلساء السوء- والعياذ بالله- تسببوا في شقاوة هذا الرجل: "فقالا له" قال: أبو جهل وعبد الله بن أمية لأبي طالب معارضين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أترغب عن ملة عبد المطّلب؟ " أي: أتترك ملّة أبيك؟، وهذا من إثارة النخوة الجاهلية، والحميّة الجاهلية، وهي: التعصّب الممقوت، وأتيا بالحجة الملعونة، وهي: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} ، وهذه يحتج بها المشركون، إذا جاءتهم الرسل قالوا: نحن وجدنا آباءنا على هذا، لا نقدر أن نترك دين آبائنا ونتبعكم. وفرعون لما جاءه موسى وهارون عليهما السلام قال: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} ، يحتج عليهم بما كانت عليه القرون الأولى من الكفر والشرك، فهي حجة مطّردة عند المشركين، الاحتجاج بما عليه النّاس، والآباء، والأجداد، وهذه الحجة حالت بين كثير من النّاس وبين الإيمان- والعياذ بالله- إلاّ من هداه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>