للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} .

وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .

ــ

"فأعاد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" هذا فيه: أن الداعية لا ييأس، أي: طلب منه أن يقول: لا إله إلاّ الله.

"فأعادا عليه" أعاد عليه الرّجلان، قولتهم القبيحة: "أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ ".

فعند ذلك أخذته الحميّة الجاهلية، فقال: "هو على ملة عبد المطلّب".

"هو" هذا ضمير الغائب، يَحتمل أن الرّاوي صرفه، ولم يقل: أنا، من باب كراهة هذا اللّفظ.

وجاء في بعض الروايات:"أنا على ملّة عبد المطلب".

"وأبى أن يقول: لا إله إلاّ الله" ومات- والعياذ بالله- على الشرك.

فعند ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شفقته على عمه، ولما رأى أنه مات على الشرك، وكان منه في حياته من النُّصرة والتأييد قال: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك" هذا كله من كمال شفقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن مجازاته على المعروف، ووفائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"فأنزل الله سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} " نهاه الله عن ذلك، ونهى المؤمنين، لأن المسلمين لما رأوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر لعمّه قالوا: إذاً نستغفر لموتانا، فأنزل الله هذه الآية.

{مَا كَانَ} أي: لا يليق ولا ينبغي، وهذا خبر معناه: النهي والتحذير.

" {لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} " المشرك لا يجوز الاستغفار له ولا التّرحّم عليه إذا مات على الشرك، وكذلك في حالة الحياة فالمشرك لا يستغفر له وهو حي، ولا يُترحّم عليه، وإنما يطلب له الهداية، يُقال: اللهم اهده، أما الاستغفار والترحّم فإنه لا يجوز للمشركين، لا أحياءً ولا أمواتاً، لأنه لا تجوز محبتهم وموالاتهم ما داموا على الشرك، وإبراهيم عليه السلام استغفر لأبيه لأنه وعده أن يستغفر له، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} .

"وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} " {إِنَّكَ} أيها الرسول،

<<  <  ج: ص:  >  >>