للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فيه تنبيه على أن المطلوب منهم أن يتقيّدوا بالكتاب الذي أنزل عليهم، وعدم مجاوزته، وهو تنبيه لكل عالم بأن يلتزم الاعتدال.

" {لا تَغْلُوا} " هذا نهي من الله تعالى لهم عن الغلو، لأن الغلو أن يكون في شخص، أو يكون في دين.

والغلو في الشخص هو: المبالغة في مدحه، ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله فيها.

وأما الغلو في الدين فهو: الزيادة عن الحد المشروع في العبادات، في مقاديرها، أو في كيفيّتها، كما في قصة الثلاثة الذي جاءوا يسألون عن عبادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أخبروا بها كأنهم تقالّوها، ولكنهم قالوا: أين نحن من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر؟، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، قال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء [يعني: يتبتّل] ، وفي رواية: لا أكل اللحم [من باب التّقشّف وحِرمان النفس] . هذا غلو أيضاً، فلما بلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، أما والله إني لأرجو أن أكون أعرفكم بالله عزّ وجلّ، وأخشاكم لله، وإني أصلّي وأنام، أصوم وأفطر، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منّي"، هذا غلو نهى عنه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بالتّوسّط وعدم الغلو.

ولما لُقطت له- عليه الصلاة والسلام - حصى الجمار أمثال حصى الخَذْف - يعني: أكبر من الحِمَّص بقليل- أخذها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كفّه وقال: "أمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو".

واليهود والنصارى غلو في أنبيائهم، وغلو في دينهم- أيضاً-، غلو في أنبيائهم، حيث قالت النصارى للمسيح: ابن الله، فرفعوه فوق منزلة البشرية إلى منزلة الربوبية ويسمُّونه الرب. وأما اليهود فقد غلوا في عزير، قالوا: هو ابن الله.

وكذلك النصارى غلو في دينهم فابتدعوا الرهبانية، وهي: التّبتّل والتّعبدّ، ولزوم الصّوامع، وعدم الخروج منها، رهبانية ابتدعوها، كما قال الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} ، هذا من الغلو في الدين، قال تعالى: {لا

<<  <  ج: ص:  >  >>