للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجاب ربُ العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران

والمشروع: السلام عليه من غير مكوث عنده وطول قيام ولا تكرر زيارة كما كان الصحابة يفعلون ذلك:

فقد كان ابن عمر يقف- إذا جاء من سفر- مقابل وجه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثمّ يتأخر إلى جهة الشرق قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، ثمّ يتأخر قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبت، ثمّ ينصرف.

وهكذا كان عمل المسلمين عند السلام على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، ما كانوا يجلسون، وما كانوا يتردّدون، حتى إن الصحابة في المدينة ما كانوا كلما دخلوا إلى المسجد راحوا يسلمون على الرسول، لأن هذا يُعتبر من الغلو، إنما كانوا يسلمون على الرسول إذا جاءوا من سفر- كما فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه-، فالصحابة يأتون إلى المسجد، ويتردّدون عليه للصلاة، ولطلب العلم، وللاعتكاف فيه، لكن ما كانوا كلما دخلوا ذهبوا يسلمون على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنهم عرفوا أن هذا من الغلو الذي حذّر منه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم أعلم النّاس وافقه النّاس بمقاصد الرسول. ومن أجل ذلك ما كانوا يتردّدون على القبر، حتى إن مالكاً رحمه الله، كان يكره أن يقول الإنسان: زرت قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن زيارة قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرِد بها دليل خاص، والأحاديث المروية في زيارة قبره كلها موضوعة أو ضعيفة شديدة الضعف، لم يثبت منها شيء، وإنما تدخل زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة"، فزيارة قبره تدخل في عموم زيارة القبور التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما أنه ورد لفظ خاص بزيارة قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا لم يثبت أبداً، كما نبّه على ذلك الحفاظ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر، وابن عبد الهادي، وغيرهم من الأئمة الحفاظ.

ولابن عبد الهادي كتاب مستقل اسمه: "الصارم المنكي في الرد على السبكي" تناول الأحاديث التي استدل بها السبكي على مشروعية السفر لزيارة قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبين ما فيها من المقال واحداً واحداً، حتى أتى على آخرها.

فهذا الكتاب- الصارم المنكي- كتاب نفيس جدًّا، يحتاجه طالب العلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>