للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولابن جرير بسنده: عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) } قال: "كان يَلُتُّ لهم السّويق، فمات، فعكفوا على قبره".

ــ

ليتسلح به ضد الخرافيين الذي يحتجون بهذه الأحاديث التي لا تصلح للاحتجاج.

ثمّ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" تحذير بعد تحذير، حيث سبق عدة مرات أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن اليهود والنصارى وهو في سياق الموت لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذّر ما صنعوا، وقال- قبل أن يموت بخمس-: "ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد إلاَّ فلا تتخذوا القبور مساجد" وهنا يقول: "اشتد غضب الله". "غضب الله" والغضب صفة من صفاته سبحانه وتعالى فالله يغضب، كما أنه يفرح ويضحك ويحب، كما جاءت بذلك النصوص، وكل هذه الصفات تليق بجلاله، ليس كغضب المخلوق، ولا كفرح المخلوق، ولا كضحك المخلوق، ويحب كما يليق بجلاله لا كمحبة المخلوق.

ونُثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات من غير تحريف ولا تأويل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فنُثبت أن الله يغضب، وأنه يشتدّ غضبه، وأنه يمقت، والمقت أشد الغضب: {لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ، فالله يمقت بمعنى: أنه يشتد غضبه.

وهذا فيه أن من جعل القبر مسجداً فقد اتخذه وثناً يُعبد.

ودلّ على أن هذه الأضرحة المبنية على القبور التي يُطاف بها الآن، وينذر لها، ويُذبح لها، ويُستغاث بها أوثان، لا فرق بينها وبين اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، وإن سموها مساجد، أو سموها مقامات للصالحين، فالتسمية لا تغير المعنى، فهي أوثان كما سماها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم قال: "ولابن جرير" ابن جرير هو: الإمام الجليل، إمام المفسرين، محمَّد بن جرير الطبري، صاحب كتاب "التفسير" الذي أصبح مرجعاً للمفسرين الذين جاءوا من بعده، فأعظم التفاسير هو تفسير ابن جرير، أما تفاسير أهل الكلام وأهل المنطق فليس مرجعها كتب أهل السنّة، بل مرجعها قواعد المنطق وعلم الكلام،

<<  <  ج: ص:  >  >>