إنه لما وقف هذا الإمام من مجتمعه المنحرف موقف الصدق والنصيحة؛ خلص هذا المجتمع مما وقع فيه من أسباب هلاكه، مع أنه رجل واحد، ولكن كما قيل:
والناس ألف منهموا كواحد ... وواحد كالألف إن أمر عنى
وهكذا سنة الله لا تتغير، فالأمة لا تنهض من كبوتها ولا تستيقظ من رقدتها إلاّ بتوفيق الله ثم بجهود علمائها المخلصين ودعاتها الناصحين، ورحم الله الإمام مالكاً حيث يقول:"لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها".
وما امتازت هذه الأمة على غيرها من الأمم إلا بقيامها بالإصلاح والدعوة إلى الله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(١٠٤) .
* الشيخ محمد بن عبد الوهاب و (كتاب التّوحيد) :
هو الإمام العلامة، والمجاهد الصابر، والداعي إلى الله على بصيرة، والمجدد لدين الله في القرن الثاني عشر من هجرة المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الشيخ: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان المُشَرَّفي التميمي النجدي.
ولد في العيينة سنة ١١١٥هـ، ونشأ في بيت علم ورئاسة وشرف، فأبوه عبد الوهاب كان فقيهاً قاضياً، وجده سليمان كان مفتي بلاد نجد ورئيس علمائها، وأعمامه وأبناء أعمامه كانوا أهل رفعة وعلم ومكانة، كانت بلدته العيينة وما جاورها من بلاد نجد تعج بالعلماء، الذين كانوا على صِلَة وثيقة بعلماء الحنابلة في الشام وفلسطين وغيرها فكان فيهم فقهاء متبحرون في الفقه. حفظ الشيخ محمد القرآن صغيراً، وقرأ الفقه والتفسير والحديث على أبيه وعلماء بلده، حتى ألم بما عندهم في وقت يسير، مع التروي والمناقشة والتدقيق، حتى أعجب به والده ومشايخه وزملاؤه.
ثم تطلع إلى المزيد من العلم فأقبل على كتاب الله، وتفسيره قراءة وتدبراً