للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا من الأحاديث القدسية، نسبة إلى القدس وهو الطهارة، والتقديس هو التطهير، سُمي بذلك تشريفاً له لأنه من كلام الله.

فالحديث القدسي من كلام الله لفظه ومعناه.

أما الحديث غير القدسي فهو من كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن المعنى من الله، لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) } .

إلاّ أن الحديث القدسي مع أنه من كلام الله لا يأخذ حكم القرآن من كل وجه، بحيث يُتعبد بتلاوته مثل القرآن، وبحيث لا يمسه إلاَّ طاهر مثل القرآن، أو أنه يُشترط له التواتر مثل القرآن، ومن حيث إنه تجوز روايته بالمعنى. أما القرآن فلا تجوز روايته بالمعنى.

الحاصل؛ أن بين الحديث القدسي وبين القرآن فروقاً كثيرة، وإن كان يجتمع مع القرآن في أنه كلام الله سبحانه وتعالى لفظاً ومعنى.

وفي قوله: "قال" إثبات أن الله يتكلّم، فصفة الكلام ثابتةٌ لله، يتكلّم متى شاء إذا شاء سبحانه وتعالى؛ كلاماً يليق بجلاله، ليس مثل كلام المخلوقين، فكيفيّته وكُنْهُه لا يعلمهما إلاَّ الله سبحانه وتعالى، لكنه ثابتٌ لله من صفات الأفعال التي يفعلها الله إذا شاء سبحانه وتعالى.

ففيه: ردٌّ على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين ينفون الكلام عن الله سبحانه وتعالى.

"أصبح من عبادي" يعني: بسبب نزول المطر.

"مؤمنٌ بي وكافر" "مؤمن بي" بسبب هذه النعمة، "وكافر" بسببها.

دلّ على أنّ حصول النعم ابتلاء من الله سبحانه، يبتلي به عباده، فمنهم من يشكر الله فيكون مؤمناً، ومنهم من ينكر نعمة الله فيكون كافراً بنعمه.

ثمّ بيّن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب ذلك فقال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: "فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته" يعني: نسب النعمة إلى الله سبحانه وتعالى.

والتفضُّل والرحمة صفتان من صفات الله، فالله هو الذي يتفضل وهو الذي يرحم، ونزول المطر أثرٌ من آثار رحمة الله، كما قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>