للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعاقبها، وعدم تخلُّفها عن نظامها وانتظامها، ونظرت إلى زينتها وتلألئها وبهائها في السماء؛ لدلّك ذلك على قدرة الله سبحانه وتعالى وعظيم صنعته.

فالله أقسم بها لمِا فيها من العجائب.

أما المخلوق فلا يُقسم إلاَّ بالله، كما جاء في الحديث: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "، فلا يجوز الحلف إلاَّ بالله.

قوله تعالى: {َإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم (٧٦) } هذا تنبيه على عظَم هذا القسم، ولا يتنبّه لهذا إلاَّ أهل العلم الذين يتدبّرون في آيات الله الكونية.

ثمّ ذكر سبحانه المقسَم عليه وهو القرآن فقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} من الكرم وهو الشرف والرِّفعة، فهو كريم في منزلته، عظيمٌ في معناه، جليلٌ في قدْره، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، فهو أعظم الكلام. وفضل كلام الله على غيره كفضل الله على خلقه.

{فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) } يعني: محفوظ، والمشهور: أنّ المراد بالكتاب المكنون هنا: اللوح المحفوظ، لأن الله كتبه في اللوح المحفوظ، فهو مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، ومكتوب في صحائف الملائكة، ومكتوبٌ في المصاحف التي في أيدي البشر، ومحفوظٌ في الصدور، فهو كلام الله بكل اعتبار.

{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) } يعني: الملائكة، وهذا فيه ردٌّ على المشركين الذين يزعمون أن القرآن ممّا تنزّلت به الشياطين، وأنه من كلام الشياطين، والله بيّن أن الشياطين لا تقرب القرآن، كما قال سبحانه: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) } السمع يعني: الوحي.

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠) } نزل به جبريل- عليه الصلاة والسلام- إلى نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلّغه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته، كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) } ، وكما في الآية الأخرى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) } يعني: جبريل عليه السلام، {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) } يعني: محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا توثيق لسند القرآن، لأن رواته عن الله هم: أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نبيهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عن ربه عزّ وجلّ، وليس كما يقوله المشركون: إنه من كلام الشياطين، أو من كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>