للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالفتن والشدائد والمواقف الصعبة هي التي تبيِّن الإيمان الصادق من النفاق، والله سبحانه وتعالى حكيمٌ عليمٌ يُجري هذه الابتلاءات وهذه الامتحانات وهذه الهزّات ليتبيّن أهلُ الإيمان الصادق من أهل النفاق: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أشد النّاس بلاءً: الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ثمّ الأمثل فالأمثل، يُبتلى المؤمن على حَسَب إيمانه"، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم" يعني: امتحنهم "فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط". والدنيا دار امتحان، ودار ابتلاء، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه أنه يبتلي العباد بعضهم ببعض، ويبتليهم بالمحن والشدائد والخوف {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧) } .

وقوله تعالى: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ} أي: ناله أذى بسبب إيمانه بالله.

{جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} أي: أذاهم.

{كَعَذَابِ اللهِ} أي: مساوية لعذاب الله، مع الفرق العظيم، لأن فتنة النّاس زائلة ومنتهية وخفيفة، بخلاف عذاب الله- والعياذ بالله- فإن عذاب الله شديد وباق ومستمر، فهو سوّى بين الأمرين، وهذا من جهله وعدم إيمانه.

ومعنى هذا: أنه يُطاوع الكفار، فينسلخ من دينه، لأنه ليس له دين أصلاً وإنما تظاهر به، فإذا جاءت المحن انكشف وتبيّن أنه ليس في قلبه إيمان، أو كان في قلبه إيمان ضعيف، ثمّ زال، {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي: إذا حصل للمسلمين فرج وحصل لهم خير قال: أنا معكم، أنا مسلم. أما إنْ حصل على المسلمين أذى وامتحان فإنه ينعزل ويصير مع الكفار ويطاوع الكفار. هذه مواقف المنافقين وضِعاف الإيمان عند الشدائد والمحن.

والشاهد من الآية: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ} أي: أنه يخشى النّاس ولا يخشى الله سبحانه وتعالى، فهذا هو موضع اللوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>