هكذا تكون العبادة، لابد أن تكون العبادة خالصة لوجه الله عز وجل، ليس فيها شرك، وأن تكون- أيضاً- على وفق ما جاء به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تماماً ليس فيها بدعة.
"وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"، هذا الحق للعباد على الله ليس بحق واجب على الله، وإنما هو تفضُّل منه سبحانه وتعالى، لأن الله لا يجب عليه حق لأحد، ولا أحد يوجب على الله شيئاً، كما هو مذهب المعتزلة، فهم الذين يرون أن الله يجب عليه أن يعمل كذا، يوجبون على الله بعقولهم، أما أهل السنة والجماعة فيقولون: الله سبحانه وتعالى ليس عليه حق واجب لخلقه، وإنما هو شيء تفضَّل به- سبحانه- وتكرَّم به، كما قال- تعالى-: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ، هذا حق تفضل به، ونظم ذلك الشاعر بقوله:
ما للعباد عليه حق وجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عُذِّبوا فبعد له أو نُعِّموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع
فمعنى "حق العباد على الله" يعني: الحق الذي تفضل الله- تعالى- به، وأوجبه على نفسه، من دون أن يوجبه عليه أحد من خلقه، بل هو الذي أوجبه على نفسه، تكرّماً منه بموجب وعده الكريم الذي لا يُخلفه- سبحانه- {وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ} .
"أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فدلّ هذا على أن من سَلِم من الشرك الأكبر والأصغر فإنه يسلم من العذاب، وهذا إذا جَمعته مع النصوص الأخرى التي جاءت بالوعيد على العُصاة والفسقة، فإنك تقول: العُصاة من الموحّدين الذين لم يشركوا بالله شيئاً، ولكن عندهم ذنوب دون الشرك من سرقة، أو زنا، أو شرب خمر، أو غيبة، أو نميمة أو، إلى آخره، فهذه ذنوب يستحق أصحابها العذاب، ولكن هي تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر لهم من دون عذاب وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، ثم يخرجهم بتوحيدهم، ويدخلهم الجنة، فالموحّدون مآلهم إلى الجنة، إما ابتداءً وإما انتهاءً، وقد جاء في الأحاديث أنه يُخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، ويُخرج من النار أُناس كالفحم، قد