للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ} الآية.

ــ

وهنا يقول: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} قدم المعمول أيضاً وهو الجار والمجرور على العامل وهو {يَتَوَكَّلُونَ} ليُفيد الحصر، وبيان أن التوكّل عبادة يجب إفراد الله سبحانه وتعالى فيها، ولا يجوز التوكُّل على غير الله؛ لأن من توكّل على غير الله فقد أشرك.

وقد جعل سبحانه التوكل شرطاً في صحة الإيمان؛ فقال: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، فمن توكّل على غير الله فليس بمؤمن.

قال: "وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ} الآية" هذا خطاب من الله سبحانه وتعالى لنبيّه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فقوله: "يا أيها النبي" ناداه بصفته الكريمة: {النَّبِيُّ} ، والله تعالى لم يناد محمداً باسمه أبداً في القرآن بل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ، فيناديه باسم النبوة وباسم الرسالة تكريماً وتشريفاً له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما الإخبار عنه فإن الله يذكره باسمه، كقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، فهذا من باب الإخبار، فإذا جاء باب الإخبار يأتي باسمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا جاء بالنداء فيناديه بصفاته الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} .

ولذلك: عاب الله على الأعراب الذين وقفوا على الحُجُرات وقالوا: يا محمد؛ اخرج إلينا، قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) } ، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) } فيجب التأدُّب مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيًّا وميِّتاً.

قوله: {حَسْبُكَ اللهُ} {حَسْبُكَ} يعني: كافيك، فالحسب هو: الكافي.

{وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: وحسب من اتبعك من المؤمنين؛ فالـ (واو) عاطفة، {وَمَنِ اتَّبَعَكَ} معطوف على ضمير المخاطَب المضاف إليه في قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>