النار- والعياذ بالله، من هذا المذهب الباطل، فعندهم أن متى دخل النار لا يخرج منها بزعمهم، ويغالطون النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة التي تدل على أن أهل التّوحيد ولو كان عندهم ذنوب ومعاص فإنهم لا يخلدون في النار، قال الله سبحانه وتعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يعني: هذه الأمة، والمراد بالكتاب: القرآن، {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} ، انظروا كيف ذكر الظالم لنفسه مع المقتصد ومع السابق بالخيرات، ووعدهم جميعاً بالجنة: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥) } ، ذكر منهم الظالم لنفسه- بل بدأ به-؛ مما يدل على أن أهل التّوحيد يرجى لهم الخير، ويرجى لهم دخول الجنة، ولو كان عندهم ذنوب كبائر دون الشرك.
وسيأتي في الأحاديث:"من مات وهو يشرك بالله شيئاً دخل النار،. ومن مات وهو لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"، "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلاَّ الله يبتغي بذلك وجه الله"، إلى كير ذلك من الأحاديث التي فيها أن التّوحيد يعصم من دخول النار، أو يعصم من الخلود فيها، وسيأتي باب مستقل في هذا الكتاب المبارك اسمه "باب فضل التّوحيد وما يكفِّر من الذنوب".
ولما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"حق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" فمعاذ -رضي الله عنه- استبشر بهذا الحديث الشريف، وفرح به غاية الفرح، وقال: يا رسول الله ألا أبشر الناس؟، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا تبشرهم فيَتَّكِلُوا"، يعني: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشي إذا سمعه الناس فإنهم يتّكِلون على جانب الرجاء ويتساهلون في المعاصي، ويقولون: ما دمنا موحّدين فالمعاصي لا تضرنا، لأن الرسول يقول:"أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً"، ونحن والحمد لله لسنا مشركين، ونحن لا نعبد إلاَّ الله، فيتساهلون في المعاصي، فيغلِّبون جانب الرجاء على جانب الخوف، فهذا من