ثم ذكر علامتهم، فقال:"إنْ أُعطيَ رضي، وإن لم يُعط سخط" هذه علامة الذي يعمل من أجل الدنيا، أنه إنْ أُعطيَ منها رضي وإن لم يعط منها لم يرض، كما قال الله سبحانه وتعالى في المنافقين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) } .
أما المؤمن فإنه إنْ أُعطي شكر، وإن لم يعطَ فإنه يصبر ولا يسخط، لأنه يعمل لله لا يعمل من أجل الدنيا، وبعضهم يحب أن يُعطى من الدنيا شيئاً، فقد كان بعض الصّحابة لا يرضى أن يُعطى من الدنيا شيئاً، ولا يطلب شيئاً، لأنه يريد الدار الآخرة، من باب حفظ أعمالهم ورجاء ثوابها في الدار الآخرة، فلا يحبون أن يتعجّلوا من حسناتهم شيئاً، ولكن من أُعطي من غير تشوُّف، ومن غير طمع، ومن غير طلب، فإنه يأخذ، كما في الحديث:"ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرِفٍ له فخذه، وما لا فلا تُتْبِعْهُ نفسك".
فالمؤمن سِيَّان عنده؛ يعطى من الدنيا أو لا يعطى، ولا ينقص ذلك من عمله لله شيئاً، لأنه يحب الله ورسوله، ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي بعض النّاس وهو يبغضهم من أجل تأليفهم، والخوف عليهم من النفاق والرِّدة، ويمنع ناساً هم أحب النّاس إليه ويَكِلُهم إلى إيمانهم، لأنه واثقٌ من إيمانهم وعقيدتهم، وأنهم لا يتأثّرون إذا لم يُعطوا، وهذه علامة المؤمن: أنه باقٍ على إيمانه ويقينه أعطيَ من الدنيا أو لم يعط، أما صاحب الدنيا فهذا إنْ أُعطي منها رضي وإن لم يعط منها سخط، فهو يرضى لها ويغضب لها.
وهذا هو الشاهد من الحديث: أنه سمّاه عبداً لهذه الأشياء مع أنه مسلم مؤمن، ولكن لَمّا كان يعمل ويريد هذه الأشياء صار عبداً لها، وهذه عبودية شرك، لكنه شركٌ أصغر لا يُخرِجه من الإيمان، ولكنه ينقِّص توحيده وينقِّص إيمانه.
ثم أعاد الدعاء عليه مرّة ثانية فقال:"تعس وانْتَكَس" يعني: كلما تماثل للشفاء عاد إليه المرض وعاد عليه الهلاك.
"وإذا شيك فلا انتَقش" أي: أنه يصاب بالعجز حتى إذا ضربته الشوكة في رجله أو في يده لا يستطيع أخذها من العجز الذي أصابه، عقوبةً له في أنه إنما يعمل من أجل الدنيا.