للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طوبى لعبدٍ آخذٍ بعِنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إنِ استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفَّع".

ــ

ثم بيّن الفرق بين الذي يعمل للآخرة والذي يعمل للدنيا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طوبى" قيل: إنها شجرة في الجنة ظلها مسيرة مائة عام منها ثياب أهل الجنة، وقيل: إنها الجنة نفسها، فالجنة يقال لها طوبى، فطوبى من أسماء الجنة أو شجرة فيها.

وهذا دعاء من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الشخص بأن يكون من أهل الجنة.

"لعبد آخذٍ بعِنان فرسه" العِنان: اللِّجام.

"في سبيل لله" يعني: للجهاد في سبيل الله، دائماً مُعِدٌّ نفسه ومُعِدٌّ فرسه للجهاد في سبيل الله، يترقّب الغزوات والسرايا، ويحب الجهاد في سبيل الله، ولا يحب الراحة والرفاهية، وإنما يحب الجهاد في سبيل الله، فهذا على أجر وإن لم يجاهد، لأن له ما نوى، ما دام أنه حبس نفسه وفرسه وأعدّ نفسه، فإنه في سبيل الله وإن لم يجاهد، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الأعمال بالنيّات".

"أشعث رأسه، مغبرة قدماه" هذه الصفة الأولى لهذا العبد المجاهد لم يتفرغ للرفاهية ويعتني بنفسه عليه آثار الجهاد في سبيل الله من الشعث والغبار.

"إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة" هذه صفة ثانية، أي: أنه لا يبالي بنوع العمل الذي يشتغل فيه، بل يطيع وليّ الأمر وقائد الجيش، سواءٌ أمره أن يكون في الحراسة أو أمره أن يكون في الساقة- يعني: في آخر الجيش-، لا يقول: أكون مع أول النّاس، بل يمتثل الأوامر، ويطيع وليّ أمر المسلمين في الجهاد، ولا ينظر إلى مكانه هل هو مكان مشقة أو مكان راحة، هل هو مكان بروز، أو مكان خُمول، لأنه يجاهد لأجل الله سبحانه وتعالى.

"والحراسة": حماية الجيش من أن يهجم عليهم العدو، سواء بالليل أو في النهار يتطلّع إلى العدو، ويكون حارساً للجيش أن يُهجم عليه من الجهة المَخُوفة. "

"والساقة" آخر الجيش من أجل أن يتفقّد العاجز ويتفقّد من يحتاج إلى إعانة من المجاهدين، لأنه لا يريد لنفسه العز في الدنيا والظهور والبُروز أمام النّاس، ولا يريد لها الراحة والرفاهية، وإنما يريد الجهاد في سبيل الله على أيِّ سبيلٍ كان،

<<  <  ج: ص:  >  >>