المشركين، ويحرّض أهل مكّة على غزو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي أنزل الله تعالى فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥٠) } ، ثم رجع إلى المدينة وجعل يُنشد الأشعار في ذمّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحرِّض الناس عليه، فقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ لي بكعب بن الأشْرَف فقد آذى الله ورسوله؟ " فانتدب محمد بن مَسْلَمة الأنصاري رضي الله عنه، واستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتله، فخرج هو ورجالٌ معه إلى كعب بن الأشرَف باللّيل، فدعوه فنزل إليهم، فقتلوه وأراحوا المسلمين من شرّه، لأنّه لَمّا خان الله ورسوله، وصار يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتقض عهده، فأهدر النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه، وأَمر هؤلاء بقتله، فقتلوه بأمر النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأراح الله المسلمين من شرّه.
"ثم ترافعا إلى عمر" وكلّ هذا محاولة للابتعاد عن حكم الله ورسوله.
"فذكر له" أحدُهما "القصّة" يعني: سبب مجيئهما.
"فقال": عمر رضي الله عنه: "للّذي لم يرضَ برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكذلك؟، قال: نعم. فضربه بالسّيف فقتله" لأنّه مرتدّ عن دين الإسلام، أو لأنّه لم يُسْلِم من الأصل، ولكنّه أظهر الإسلام نفاقاً، والمنافق إذا ظهر منه ما يعارِض الكتاب والسنّة وَجَب قتلُه دفعاً لشرّه، ولكنّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتل المنافقين كعبد الله بن أُبيّ وغيره، درْءاً للمفسدة، لئلاّ يتحدّث الناس أنّ محمداً يقتُل أصحابه. فالرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتكب أخفّ، المفسدتين- وهي: ترك قتله- لدفع أعلاهما وهو قول الناس: محمد يقتل أصحابه.
هذا وجه كون الرّسول لم يقتل المنافقين مع عداوتهم لله ولرسوله، لأنّه خشي من مفسدة أكبر.
فدلّت هذه النّصوص في هذا الباب العظيم على أحكام عظيمة:
أوّلاً: في الآيات والحديث: وُجوب التحاكُم إلى كتاب الله وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنّ هذا هو مقتضى الإيمان.
ثانياً: وُجوب تحكيم الكتاب والسنّة في كلّ المنازَعات، لا في بعضها دون بعض، فيجب تحكيمها في أمر العقيدة، وهذا أهمّ شيء، وفي المنازعات الحقوقيّة