للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعضُ السلف: هو كقولهم: كانت الرّيح طيِّبة والملاّح حاذِقاً ... ونحو ذلك ممّا يجري على السنّة كثير.

ــ

وقد حصل- ويحصُل- أنّ هناك مناخات كانت تهطُل فيها الأمطار بكثرة، ولكن يأتي وقتٌ من الأوقات تُقْفِر هذه المناخات وتُجْدِب، فكثير من القارّات وإنْ كانت معروفة بكثرة المطر وتواصُل المطر عليها يحصُل فيها الجدْب، كما يقولون عنه: الجفاف، في أمريكا وفي أوروبّا وفي أفريقيا حصل جفافٌ كثير، وهلكت خلائق كثيرة من الأموال ومن الأنفُس، وما نفعهم المناخ، هذا بيد الله سبحانه وتعالى، وفي تقدير الله سبحانه وتعالى.

قال المصنف: "قال بعضُ السَّلف" المراد بالسَّلَف: القُرون المفضَّلة، وصَدْر هذه الأمة، وهم محلّ القُدوة، لقُرْب عهدهم من النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن صحابته الكِرام.

وأمّا مَن جاء بعدهم فيُقال لهم: الخَلَف، فمن كان من الخَلَف يسير على منهج السلَف فهو لاحقٌ بهم، ومن تخلَّف عن منهج السَّلَف فإنّه هالك، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} ، ويقول سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} .

قوله: "هو كقولهم: كانت الريح طيِّبة، والملاّحُ حاذقاً" يعني أن من إنكارهم لنعمة الله أنهم إذا ساروا في البحر في السُّفُن التي كانت تسير بالرِّيح إذا نجوا من البحر وخرجوا إلى البر يُثنون على الرِّيح وعلى الملاّح، ولا يقولون: هذا بفضل الله، بل يقولون: كانت الريح التي حملت السفينة طيِّبة.

"وكان الملاّح حاذِقاً" الملاّح هو: قائد السفينة، سمّى ملاّحاً لملازمته للماء المِلْح، لأنّ مياه البحار مالحة، فالذي يقود السفينة يقال له: ملاّح، لأنّه يسير على الماء المِلْح والحاذق: الذي يجيد المهنة.

وكان الواجب عليهم أن يقولوا: أنّ الله هو الذي نجّانا، وهو الذي سخّر لنا الرّيح الطيِّبة، وهو الذي أقدر قائد السّفينة وألهمه أن يقودها إلى برّ السلامة. أما أن يقولوا: إنّ نجاتنا وخُروجنا إلى البر بسبب طيب الريح وحِذْق القائد، فهذا كفرٌ بنعمة الله سبحانه وتعالى.

وقوله: "ونحو ذلك ممّا يجري على ألسنة كثير" يعني: نحو هذه الألفاظ ممّا يجري على ألسنة كثيرٍ من النّاس من نِسْبة النِّعَم إلى غير الله سبحانه وتعالى، إمّا من باب التساهُل في التعبير، وإمّا من باب سوء الاعتقاد، فإنْ كان من سوء الاعتقاد فهو كفرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>