فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، قال:"هل أخبرتَ بها أحداً؟ "، قلت: نعم، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"أما بعد: فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده ".
ــ
"فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله" وهو عيسى ابن مريم، سُمِّي بالمسيح لأنّه يمسح بيده على ذي العاهة فيبرأ بإذن الله. فالنصارى غلوا في المسيح كما غَلَت اليهود في عُزير.
ثم رد عليه النصارى بمثل ما قاله اليهود، قال طُفيل:"فلما أصبحتُ أخبرتُ بها مَن أخبرت، ثم أتيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرتُه، قال: "هل أخبرتَ بها أحداً؟ "، قلت: نعم، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أمّا بعد" هذا فيه: دليل على مشروعية حمد الله والثّناء عليه في بداية الكلام، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلّ أمر ذي بال لا يُبدأُ في بالحمد لله فهو أبتر"، ولهذا افتتح الله كتابه العظيم القرآن بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) } ، وفيه استحباب الإتيان بأما بعد، وهي كلمة يُؤتَى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر.
"فإن طُفيلاً قد رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنّكم قلتم كلمة يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها" قيل: كان يمنع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحياء، لأنّه لم ينزل عليه وحيٌ في المنع منها.
"فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده" لَمّا نبّههم على خطأ هذه الكلمة أرشدهم إلى البديل الصالح منها، وهو أن يقولوا: ما شاء الله وحده.
فهذه القصة فيها فوائد عظيمة ودُروس وعِبَر:
الفائدة الأولى: أن الرؤيا حقّ، ولذلك: لا يجوز الكذب في الرؤيا، وجاء في الحديث الوعيد على ذلك.
الفائدة الثّانية: فيه: فهم الإنسان إذا كان له هوى، فهؤلاء اليهود والنصارى لَمّا كان لهم هوى في حق المسلمين؛ لاحظوا هذه المسألة، لا حُبًّا في الخير أو حِرْصاً على التّوحيد، ولكنّهم يريدون بذلك تنقُّص المسلمين، والتماس عيوبهم، وإن كان في اليهود والنصارى عيوب أكثر منها.