للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الله غيره، ويستغيث بالموتى، ويذبح للقبور، ويطوف بالأضرحة مستعيناً بها، فهذا خلط إيمانه بشرك، وليس له أمن أبداً حتى يتوب إلى الله عزّ وجلّ، ويُخلص التّوحيد، فليس المقصود أن الإنسان يعبد الله فقط، بل لابد- أيضاً- أن يتجنّب الشرك، وإلاَّ فالمشركون لهم عبادات، كانوا يحجون، وكانوا يتصدقون، وكانوا يطعمون الأضياف، وكانوا يُكرمون الجيران، ولهم أعمال لكنها ليست مبنيّة على التّوحيد، فهي هباء منثور، لا تنفعهم شيئاً يوم القيامة، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (٢٣) } ، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} لا يثبّت الأعمال إلاَّ التّوحيد، ما دام هناك شرك فالأعمال لا قيمة لها، مهما أتعب الإنسان نفسه فيها، وهذا يدلُّنا على فضل التّوحيد، ومكانة التّوحيد، وأنه مُؤَمّن من عذاب الله عزّ وجلّ بخلاف المشرك فإنه لا أمن له من عذاب الله، والأمن يكون في الدنيا، كالأمن من الأعداء، والأمن من الحروب، تعرفون قيمته، وخطر الخوف، هذا في الدنيا فكيف بالأمن في الآخرة من النار؟، النار أشد من الحروب، وأشد من الأعداء، وأشد من كل شيء، إذا كان الأمن في الدنيا هذه قيمته، وهذه منافعه، فكيف بالأمن في الآخرة.

ثم قال: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} هذه مزيّة ثانية من مزايا التّوحيد، وهي حصول الهداية للموحّدين المخلصين لله، أنهم في الدنيا يكونون مهتدين في أعمالهم، يعبدون الله على بصيرة، سالمين من الشرك في الأعمال، وسالمين من البدع والخرافات، بخلاف أهل الشرك، فإنهم غير مهتدين في الدنيا، بل هم ضالون، لأنهم يعبدون الله، ويخلطون العبادة بالشرك، ويعبدون غير الله، فهم ضالون لا مهتدون، إذاً الموحّد يعطيه الله مزيتين:

المزيّة الأولى: الأمن من العذاب. المزيّة الثانية: الهداية من الضلال.

بحيث أنه يعبد الله على بصيرة وعلى نور وبرهان، متبعاً للسنّة متبعاً للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي على الجادة الصحيحة، بخلاف المشرك فإنه يمشي على غير هدى، وعلى غير دين، وعلى غير برهان، يتعب نفسه في هذه الدنيا، وهو يتقدم إلى النار، ويمشي

<<  <  ج: ص:  >  >>