للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال سفيان: "مثل: شاهان شاه".

وفي رواية: "أغيظ على الله يوم القيامة وأخبثه".

قوله: "أخنع" يعني: أوضع.

ــ

عند الله سبحانه وتعالى، وإن كان مقصود صاحبها الرِّفعة والعُلُوّ، فإنّ الله يجازيه بنقيض قصدِه، ويجعله وضيعاً، كما جاء في الحديث: أن المتكبِّرين يوم القيامة يُحشرون أمثال الذّرّ، وذلك معامَلةً لهم بنقيض قصدِهم.

"رجل تسمّى" وفي رواية: "يُسمّى" بالياء، والفرقُ بينهما "تَسَمّى" يعني: سمّى نفسه، و"يُسَمّى" يعني: سمّاهُ غيرهُ ورضيَ هو بذلك ولم يُنكره.

فهذا فيه سوءُ أدب مع الله سبحانه وتعالى، وتعاظُمٌ ورفعةٌ لا يستحقُّها المخلوق، والله جل وعلا يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) } ، فالمؤمن لا يريد العلوّ في الأرض، وإنما يريد التواضُع لله سبحانه وتعالى، وإن تولّى ومَلَك فإنّه لا يُريد العلو، وإنّما يريد بالوِلاية والمُلك الإصلاح والعدل بين النّاس، فإذا كان هذا قصدُه صار من أحبِّ الخلق إلى الله تعالى، وصار من السّبعة الذين يظلُّهم الله في ظِلِّه يوم القيامة، فالملك العادل من السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم القيامة.

فليس معنى هذا النّهي عن تولِّي المُلك، لأن تولِّي السلطة والحكم مطلوب إذا كان القصد الإصلاح، فلا عيب في ذلك، إنما العيب في القصد السيّء، فإنْ كان قصدُه من تولِّي الملك العَظَمة والكبرياء والتجبُّر صار مُهاناً عند الله عزّ وجلّ، وإن كان قصدُه الإصلاح والعدل وإقامة الحق في الأرض صار مأجوراً عند الله سبحانه وتعالى، بل أجرُه عظيم، ومن الذين تُستجاب دعوتهم عند الله سبحانه وتعالى ولا تُردُّ دعوتُه.

"قال سُفيان " هو: سفيان بن عُيينة: الإمام، المحدِّث، الجليل.

"مثل: شاهان شاه" يعني: عند العجم، فمعنى هذا اللقب عندهم: "ملك الملوك".

ومقصود سفيان رحمه الله بهذا أن يبيِّن أنّ هذا اللّقب ممنوعٌ في جميع اللّغات، سواء بالعربيّة أو بالأعجميّة، سواء سُمّي "ملك المُلوك" أو "شاهان شاه"، فالمعنى واحد، وكذلك "قاضي القُضاة" أو ما أشبه ذلك، فهذا منهيٌّ عنه في جميع اللُّغات.

"وفي رواية: أَغْيَظُ" هذا أفعل تفضيل، والغيظ: شدّة الغضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>