فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينهم، فرضيَ كِلا الفريقين. فقال:"ما أحسن هذا!، فما لك من الولد؟ " قلت: شُريح، ومسلم، وعبد الله، قال:"فمن أكبرُهم؟ "، قلت: شُريح، قال:"فأنتَ أبو شُريح " رواه أبو داود وغيره.
ــ
ويحكم للمظلومين على الظَّلَمة، ويردّ المظالِم إلى المظلومين، فلا يُنهي النّزاع بين العالَم إلاّ الله سبحانه، أما الحكم الذي في الدّنيا يحكُم به الحُكّام من القُضاة؛ فهذا يُخطئ ويُصيب، والنّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحد"، أما إذا لم يجتهد أو اجتهد وهو ليس أهلاً للاجتهاد وحكم فإنه على كل حال مخطئ وآثم، لأنه ليس من حقّه أن يحكم وهو ليس أهلاً للاجتهاد، إلاَّ في مسألة الصُّلْحِ.
والنّبي قال:"إنّ الله هو الحكَم، وإليه الحُكم " على سبيل الإنكار على أبي شريح.
ثم إنّ ابا شريح أراد أن يبيِّن السبب للرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنّه لم يسمِّ نفسَه بذلك، وإنّما النّاس هم الذين سمّوه به، والسبب في هذا: أنّه إذا اختلف قومُه في شيء رجعوا إليه فحكم بينهم فرضيَ كلاَ الفريقين، بمعنى: أنّه يُصْلِح بينهم برضاهم، وليس في هذا ظلمٌ لأحد، وإنّما فيه إنهاء للنّزاع وقطع للخُصومة وإرضاء لكلا الطَّرَفين، وهذا عملُ خير، ولهذا قال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ما أحسن هذا"، والله جل وعلا يقول:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ، وقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"الصلح جائز بين المسلمين، إلاّ صلحًا أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً".
فالإصلاح بين النّاس أمرٌ مرغَّبٌ فيه، وعملٌ صالح، وصدقة من الإنسان على نفسه أن يعدِل بين النّاس ويسوِّي الخلافات بين النّاس، بعكس الذي يُثير النّزاع ويُحدث الفتنة بين النّاس، ويحرِّش بعضهم على بعض، فهذا مفسد- والعياذ بالله-، خلاف الذي إذا وجد النّاس مختلفين فإنّه يصلح بينهم ويقارِب بين وجهات نظرهم، ويُذهِب ما في نفوسهم من الكراهية بعضهم لبعض، فهذا مصلِح وله أجرٌ عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال النّبيُّ سبحانه وتعالى:"ما أحسن هذا! "، تعجُّباً وثناءً على عمل هذا الرّجل،