وتشجيعاً له على ذلك، وإنما أنكر التكنّي بأبي الحكم، وأراد تغييره، حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فما لَك من الولد؟ "، ليجعل له بديلاً صالحاً.
قال أبو شريح: "قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله ".
قال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أكبرُهم؟ ".
قال: شُريح.
فقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنت أبو شريح" بَدَّل "أبا الحَكَ م"، وكنّاه بأكبر أولاده، فدلّ على أنّ الكنية تكون بأكبر الأولاد.
فهذا الحديث يدلّ على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: فيه: احترامُ أسماء الله سبحانه وتعالى، وإجلالُها، وتغيير الاسم من أجل إجلالها، لأنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيّر اسم (أبي الحَكَم) إلى (أبي شُريح) احتراماً لأسماء الله سبحانه وتعالى.
المسألة الثانية: في الحديث دليلٌ على تعليم الجاهل، فإنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علّم أبا شُريح، وبيّن له أنّ هذه الكُنْيَة خطأ.
المسألة الثالثة: في الحديث دليل على أنَّ مَن مَنع من شيء سيّء وله بديلٌ صالح فإنّه يأتي بالبديل، فإنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا مَنع من التكنِّي بـ (أبي الحكَم) جعل بديلاً له وهو (أبو شريح) .
وهذه قاعدة للمعلِّمين والدُّعاة أنَّهم إذا نهوا النّاس عن شيء محرّم وهناك ما يحلُّ محلَّه من الطيِّب الحلال؛ فإنُّهم يأتون به ويبيِّنونه للنّاس.
المسألة الرابعة: في الحديث دليلٌ على مشروعيّة الصلح بين النّاس فيما يختلفون فيه، وأنّ الصلح مبنيٌّ على التراضي ليس إلزاميًّا فإنَّ أبا شُريح قال: (فرضيَ كلاَ الفريقين،، فالمصلح لا يُلْزم وإنّما يَعْرِض الحلّ النافع، فإن قُبل فالحمد لله، وإلاَّ فإنّ المَرَاد إلى كتاب الله وسَنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسم النّزاع.
أمّا الذي يُلْزِم النّاس بغير حكم الله؛ فهذا طاغوت، كالذي يُلزم النّاس بحكم الأعراف القَبَليّة التي يتحاكم إليها بعض القبائل، فهذا من حكم الجاهلية.
المسألة الخامسة: في الحديث دليل على أنّ الكنية تكون بأكبر الأولاد.