للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآية تدلُّ: على إثْبات الأسماء لله تعالى رَدًّا على المشركين وعلى الجهميّة ومَن نفى أسماءَ الله سبحانه وتعالى.

وفي الآية: أنها كلُّها حسنى.

وفيها: مشروعيَّة التوسُّل إلى الله تعالى بها، ودعائه بها: {فَادْعُوهُ بِهَا} يعني: توسّلوا إلى الله بها، بأن تقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا كريم أكرِمني، يا توّاب تُبْ عليّ. إلى آخره، بأنْ تأتي بكل اسمٍ يناسب حاجتك.

ثم قال: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} {وَذَرُوا} يعني: اترُكوا.

والإلحاد في اللغة: المَيْل عن الشيء، ومنه سُمي اللحد في القبر لحداً لأنّه مائل عن سَمْت القبر.

أما الإلحاد في أسماء الله: فذكروا له عدّة معانٍ:

النوع الأول: جُحودها ونفيُها كما نفتْها الجهميّة.

وهذا أعظم الإلحاد فيها، فالذي يقول: "إن الله ليس له أسماء، لأنّ الأسماء موجودة في المخلوقين، فإذا أثبتناها صار تشبيهاً".

فهذا جاحدٌ لأسماء الله، ملحِدٌ فيها- والعياذُ بالله- أعظم الإلحاد، وهذا كُفرٌ بالله عزّ وجلّ.

النوع الثاني: تأويلُها عما دلّت عليه، كما فعلت المعتزلة فإنهم يُثبتون الأسماء ولكنّهم ينفون معانيها وما تدل عليه من الصّفات، لأنّ هذه الأسماء كلُّ اسم منها يدلّ على صفة؛ {الرحمن} يدلّ على الرحمة، {الغفور} يدلّ على المغفرة، {العزيز} يدلّ على العزّة والقوة والمَنَعة والغَلَبة، وهكذا، كلُّ اسم يُشتَقُّ منه صفة من صفات الله تعالى: {السميع} يدلّ على السمع، {البصير} يدلّ على البصر، {العليم} يدلّ على العلم، {القدير} يدلّ على القدرة، وهكذا، كلُّ اسم منها يدلُّ على صفة. فالذي لا يُثْبِتُ الصّفات مُلحدٌ في أسماء الله، لأنّه جحد معانيها، وجعلها ألفاظاً مجرَّدة لا تدلّ على شيء.

النوع الثالث: تسمية المخلوقين بأسماء الله، مثل ما فعل المشركون من تسمية اللات من اسم الإله، والعُزّى من اسم العزيز، فجعلوا أسماء الله أسماءً لمعبودات المشركين، وهذا من الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>