للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} .

ــ

هذا وجه إيراد المصنف لهذا الباب في "كتاب التّوحيد"، أن جحود القدر ينافي التّوحيد، لأنه كفر بالله سبحانه وتعالى.

وكلمة "لو إذا جاء بها الإنسان في سياق الجزع والسخط على ما يحصل له، فإن هذا نقص في التّوحيد، وجزع من القدر، لأن الواجب على المسلم: أن يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يجزع ولا يسخط، وأن يعلم أنه لابد أن يحصل له ذلك شاء أم أبى جزع أم لم يجزع، لابد أن يحصل ما قدره الله سبحانه وتعالى.

قال: "وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} " {يَقُولُونَ} يعني: المنافقين.

وهذه الآية جاءت في سياق غزوة أحد في سورة آل عمران، وما حصل على المسلمين فيها من المصيبة التي حلت بهم من استشهاد كثير منهم وانتصار عدوهم عليهم بسبب أنهم خالفوا أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تنظيم العسكر، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظم العسكر قبل القتال، وجعل جماعة من الرماة على جبل يحمون ظهور المسلمين، وقال لهم: "لا تتركوا الجبل سواءً انتصرنا أو هزمنا"، ثم بدأت المعركة فصار المسلمون يقاتلون الكفار وظهورهم محمية، فاندفعوا على الكفار وقتلوا منهم وفتكوا بهم، فكان النصر للمسلمين.

ولما شرعوا في جمع الغنائم رءاهم الذين على الجبل فقالوا: ننزل نشارك في الغنائم، فنهاهم قائدهم عبد الله بن جبير وذكرهم بقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تتركوا الجبل سواء انتصرنا أو هزمنا"، فأبوا ونزلوا.

فلما نزلوا جاء الكفار من خلف المسلمين مع الجبل وانقضوا على المسلمين، وما شعر المسلمون إلاّ وهم بين الكفار من هنا وهنا، فدارت المعركة من جديد، وصارت على المسلمين المصيبة بسبب معصيتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} يعني: تقتُلونهم، {بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ} ، يعني: الرُّماة، {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} من النّصر {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>