للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} الآية.

ــ

لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} هذا تطمينٌ للمسلمين، بعد العتاب طمأنهم بأنّهم قد عفي عنهم لِمَا لهم من السّوابق والفضل، لكن هذه عقوبة على المعصية، {وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، إلى قوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} كان المسلمون في حالة الخوف الشديد، وقد أنزل الله عليهم النّوم، لأنّ النّوم أمان، فصار النوم فارقاً بين المؤمنين وبين المنافقين، المؤمنون أصابهم النوم وهذا أمانٌ من الله سبحانه وتعالى، والمنافقون ما ذاقوا غَمْضاً من الفزع ومن الخوف والجُبُن.

{يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} هذا هو السّبب، المؤمن يظنّ بالله ظنّ الحقّ وأنّه قادمٌ على ربّه، وما عند الله خيرٌ له وأبقى، فهو يظنّ بربّه ظنّ الحق يحسِن الظنّ بالله عزّ وجلّ، فلذلك لا يخاف من الموت، لأنّه يؤمن بالله عزّ وجلّ، ويحسن الظنّ بالله وأنّه قادمٌ على ربٍّ كريم ووعدٍ من الله سبحانه وتعالى، فهو مطمئنّ، وأما المنافقون فإنهم يظنون بالله ظن السوء.

{يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} هذا هو محلّ الشّاهد: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} ، أرجعوا سبب القتل إلى أنهم ليس لهم تدبير، ولو كان لهم تدبير ما قُتلوا. فردّ الله عليهم بقوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} فالبقاء في البيوت لا يمنع من الموت، فالذي مكتوبٌ عليه الموت في أيّ مكان سيخرجُ ويذهب إلى مكانه الذي مكتوبٌ أنه يقتل أو يموت فيه.

فهذا هو محل الشاهد: "لو"، لأنه قال هذه الكلمة من باب الجزع والتسخُّط لقضاء الله وقدره وعدم الرضى بقضاء الله وقدره.

وإذا قيلت "لو" في مثل هذا الحال فإنَّها لا تجوز.

قال: "وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} " هذه قالها عبد الله بن أُبيّ -رأس المنافقين-.

{قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ} يعني: من المؤمنين الذين خرجوا وقُتلوا في أُحد، وكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>