للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} ، هذه هي المعجزة، يعني: كيف علمت: أيها الرسول وأنت آخر الرسل، و أيضاً- أنت أُمّي لا تقرأ ولا تكتب، هذا من أعظم المعجزات لك {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} يعني ما الذي أدراك؟، لولا الله سبحانه، وهذا من أنباء الغيب، يعني: من الأخبار الماضية، ويطلق الغيب على المستقبل- أيضاً-، والغيب لا يعلمه إلاَّ الله، الماضي والمستقبل أو من علّمه الله من رسله، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) } هذه بَشَارة لها، لكنها انبهرت كيف يحصل لها ولد وهي لم تكن تزوجت: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} إلى آخر الآيات.

هذا ما ذكره الله من قصة نشأة مريم، ونشأة ابنها عيسى عليه السلام، وهذا البيت الطاهر العظيم، ولهذا لما قرأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه هذه الآيات التي في بيان نشأة عيسى عليه السلام عند النجاشي بحضرة البطارقة وكبار النصارى؛ اعترف النجاشي بأن هذا وحي من الله سبحانه وتعالى، وقال: "هذا هو والذي أنزل على موسى يخرج من مشكاة واحدة"، فأسلم النجاشي رحمه الله، لما سمع ما ذكره الله من نبأ عيسى عليه السلام، وتفاصيل ولادته، لأنه لا يمكن أن يكون من عند محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وأن عيسى عبد الله ورسوله" هذا فيه ردٌّ على اليهود وردٌّ على النصارى. أما اليهود فلأنهم جحدوا رسالة عيسى عليه السلام، ورموه بالبُهْت- والعياذ بالله- وقالوا: إنه ولد بغي، قبّحهم الله وأخزاهم، وحاولوا قتله، وسلّمه الله منهم ورفعه إليه، وألقى عليهم الخزي.

وفيه ردٌّ على النصارى الذين لم يقرِّوا بأن عيسى عبد الله، وإنما ادعوا أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو أنه هو الله، ثلاث مقالات لهم، ذكرها الله جل

<<  <  ج: ص:  >  >>