للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم استدل لقول النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ". رواه مسلم.

ــ

وذلك أنّه ظهر بالبصرة في آخر عصر الصّحابة بعد عهد الخلفاء الراشدين وبعد خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وفي آخر حياة ابن عمر وابن عبّاس وغيرِهما من الصّحابة ظهر بالبصرة رجلٌ يُقال له: مَعْبَد الجُهَني، يُنكر القدر، وكان يَحْيَى بن عمر وحُمَيْد بن عبد الرحمن الحِمْيَري: لَمّا ظهرت هذه المقالة بالبصرة قدمِا إلى الحجاز حاجّين أو معتمِرين، وقالا: "سنسأَل أوّل مَن نلقى من الصّحابة"، وهكذا المسلمون قديماً وحديثاً إذا أشكل عليهم شيء يرجعون إلى علمائهم ويسألونهم، ولا يستقلّون بالأمر، أو يكون لكلّ واحد منهم رأي، أو ينقسمون إلى جماعات وأحزاب، كلٌّ له قول، هؤلاء جاءوا من البصرة إلى مكّة المكرّمة بقصد مسألة واحدة مع ما في ذلك من مشقّة السفر وطول المسافة، لأنّ الأمر عظيم، يجب الرّجوع إلى أهل العلم فيه، فكان أوّل من لقيا: عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما-، وقد وفّقهما الله لهذا الصحابي، العالِم الجليل، لقياه وهو يدخُلِ إلى المسجد الحرام، فأمسكا بكتفَيْه، فقالا: يا أبا عبد الرحمن، حَدَث عندنا في البصرة رجلٌ يقول كذا وكذا.

فكان جواب عبد الله بن عمر: أنّه أقسم بالله: "لو كان لأحدهم" أي: هؤلاء الذين يُنكرون القدر.

"مثل أحد ذهباً" هذا أبلغ تقدير وأكثر تقدير.

"ثم أنفقه في سبيل الله" النفقة في الجهاد في سبيل الله من أعظم النفقات أجراً، فهو مبلغٌ كبيرٌ صُرِف في مصرفٍ عظيم، يُرجى لصاحبِه الأجر العظيم، ولكن هؤلاء إذا أنفقوا هذا المبلغ في هذا المصرِف العظيم وهم يُنكرون القدر فإنّ الله لا يتقبّلُه منهم، لأنّهم لم يؤمنوا بالله عزّ وجلّ، والله لا يقبل إلاّ من المؤمنين: "ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" فدلّ هذا على كفرهم، لأنهم لم يؤمنوا بالقضاء والقدر.

وقوله: "ثم استدل " إلخ.. أي: لم يقل هذا القول من عنده بل لَمّا قال هذه المقالة العظيمة، ذكر دليلَها من سنّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلُّ مَن قال قولاً في الإسلام فلابدّ أن يذكُر دليلَه من كتاب الله أو من سنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن لم يكن له دليل فإنْه مردودٌ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>