للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك ابن عمر لَمّا ذكر هذه المقالة وهذا الجواب ذكر دليلَه من سنّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "حدّثني أبي" عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، "قال: بينما نحن جلوسٌ عند النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ سواد الشعر، شديدُ بياض الثّياب، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفُه منّا أحد، فجلس إلى النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه" يعني: أسند ركبتيه إلى ركبتي النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقابِلاً له جلوسَ المتعلِّم من المعلِّم، "ووضع يديه على فخذيه" تأدُّباً مع رسول الله، "وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟، قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسولُ الله، وتقيمَ الصلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً، فقال: صدقت، قال: فعجبنا له يسألُه ويصدِّقُه"، لأن من العادة أنّ السائل لا يكون عنده علم، فكونُه قال: "صدقتَ"، هذا دليلٌ على أنّه كان عالماً بالجواب.

ثم قال: "أخبرني عن الإيمان؟، قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتُبه، ورُسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدَر خيرِه وشرِّه، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسألُه ويصدِّقُه.

ثم قال: أخبرني عن الإحسان؟، قال: الإحسان: أن تعبُد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، قال: صدقت، فأخبرني عن السّاعة؟ " يعني: متى قيام السّاعة؟، قال الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما المسؤولُ عنها بأعلم من السّائل" أي: أنا لا أدري وأنت لا تدري متى تقومُ السّاعة، لأنّ هذا من علم الله سبحانه وتعالى الذي اختصّ به، لا يعلمُه أحد، لا ملَك مقرّب ولا نبيٌّ مرسل، لا أفضل الملائكة وهو جبريل، ولا أفضل البشر وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

"قال: فأخبرني عن أماراتها؟ " أي: "علامات السّاعة التي إذا حصلت فإنّ قيام السّاعة قريب، "قال: أن تَلِد الأَمَة ربَّتَها، وأن ترى الحُفاة العُراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البُنيان. قال: ثم خرج الرّجل، ولبثنا مليَّاً، ثم قال الرسول: "اطلبوا السّائل"، فخرجوا يطلُبونه فلم يجدوه. قال: "هذا جبريل أتاكُم يعلِّمكم دينكم" تمثّل صورة بشرٍ، وجاء من أجل أن يعلِّم الصّحابة دينهم عن طريق السّؤال والجواب يبنه وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يسمعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>