للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب" أخرجاه.

ــ

القول الأول: أنّ معنى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ، أي: لا تحلفوا، نهيٌ عن الحلف، فلا يخلف الإنسان إلاّ إذا دعت إلى ذلك حاجة، ويكونُ صادقاً في يمينه، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف بالله فليصدُق، ومن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله".

فمعنى قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} أمرٌ بحفظها يتضمَّن النّهي عن الحلف إلاّ إذا دعت إلى ذلك حاجة، كأن يطلب منه القاضي اليمين لخصمه، فإذا كان بارًّا وصادقاً فليحلف على نفي ما ادّعاه عليه خصمُه، أو دعت حاجةٌ إلى اليمين ليُزيل شكوكاً حصلت لأخيه فيه، فيريد أن يبرئ نفسَه وأن يُزيل ما في نفس أخيه بأن يحلف له وهو بارٌّ في يمينه فهذا لحاجة، أمّا غير ذلك فإنّه يحفظ يمينه كما يحفظ دينه.

والقول الثاني: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ، أي: بالكفّارة إذا حَنِثْتُم فاحفظوها، يعني: كفِّروا عنها، فالكفّارة حفظٌ لليمين واحترامٌ لها.

قال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الحلف" أي: اليمين.

"مَنْفَقَةٌ للسلعة" أي: مروِّجة للسِّلْعة وسببٌ لِنفَاقِها، وهو خُروجها من يد صاحبها إلى الزّبائن، لأنّ النَّفَاق، معناه: الخُروج، ومنه سُمّيت النفقة نفقة لأنّها تَخْرُج من مُلك صاحبها، ومنه سُمّي المنافق منافِقاً لأنّه يخرُج من الدِّين.

فنَفاقُ السلع: رواجُها وخُروجها من ملك صاحبها بالبَيْع، لأنّ النّاس يصدِّقون صاحبها فيشترونها، فإذا حلف أنّ هذه السلعة من النّوع الجيّد أو حلف أنّ هذه السلعة سميت بكذا وكذا أو حلف أنّه اشتراها بكذا فإنّ هذا سبب لأن يصدِّقه النّاس وأن يشتروها منه، لأنّ المسلمين يعظِّمون اليمين، فيُحسنون الظنّ بهذا الحالف ويثقون به، ويقولون لولا أنّه صادقٌ لَمَا حلف، فيقبلون ما يقول ويعملون به، فيكونُ ذلك سبباً لرواج سلعه.

وقوله في: "مَمْحَقَةٌ للكسْبِ" المَحْقُ معناه: الإزالة، أي: أنّ اليمين تُزيل

<<  <  ج: ص:  >  >>