للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى الثاني: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، أي: أنه يدخل الجنة، فتكون منزلته فيها بحسب عمله، لأن أهل الجنة يتفاوتون في منازلهم بحسب أعمالهم، فمنهم من هو في أعلى الجنة، ومنهم من هو دون ذلك، فأهل الجنة يتفاضلون في منازلهم، والجنة درجات، بعضها فوق بعض، كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، والنار أسفل سافلين، أما الجنة فإنها أعلى عِلِّيِّين، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن في الجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله"، دلّ على أن الجنة درجات، وأن الناس ينزلون منها فيها بحسب أعمالهم، منهم من يُرى منزله كالكوكب الدُّرَّي الغابر في المشرق أو المغرب لبعد ما بينهم من التفاضل، ومنهم من يكون دون ذلك.

وفي هذا الحديث الرد على سائر الطوائف الكفريّة، ففيه ردٌّ على المشركين الوثنيين، وفيه ردٌّ على اليهود، وفيه ردٌّ على النصارى.

وفي الحديث -أيضاً-: وجوب الإيمان بجميع الرسل- عليهم الصلاة والسلام-، لأنه نص على الإيمان بعيسى وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي ذلك إشارة إلى أنه يجب الإيمان بجميع الرسل كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ، فلابد من الإيمان بجميع الرسل - عليهم الصلاة والسلام-، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بالجميع، فاليهود الذين يزعمون أنهم آمنوا بموسى قد كفروا بموسى، لأنهم بكفرهم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفروا بموسى، لأن موسى اخبر ببعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو موجود في التوراة التي جاء بها موسى عليه السلام، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} - كذلك عيسى- عليه السلام أخبر بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر بالإيمان به {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ، فعيسى عليه السلام بشّر بني إسرائيل بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا معناه: أنه أمرهم بالإيمان به، فالنصارى لما لم يؤمنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>