للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أنس رضي الله عنه: أنّ ناساً قالوا: يا رسولَ الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيِّدنا وابنَ سيِّدنا، فقال: "يا أيها النّاس، قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد؛ عبد الله ورسولُه، ما أُحِبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عزّ وجلّ" رواه النسائي بسند جيّد.

ــ

معناه: الرسول، أي: لا تكونوا رسلاً للشيطان يُرسلكم إلى النّاس بالغواية والمديح الكاذب.

ثم ذكر المصنِّف الحديث الثاني فقال: "عن أنس رضي الله عنه: أن ناساً قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا" أما قولهم: "يا رسول الله" فهذا سليم، لكن قولهم: "سيدنا وابن سيِّدنا" هذا الذي استنكره النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكذلك قولهم: وخيرنا وابن خيرنا" هذا- أيضاً- استنكره النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يريد المدح، وإنّما يريد أن يوصف بما وصفه الله تعالى به من الرّسالة والنبوّة، وكفى بذلك شَرَفاً له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولا يستهوينكَم الشيطان" يستهوينَّكم: يوقعكم في الهوى الذي يضلُّ عن سبيل الله عزّ وجلّ. أو يسهوينّكم: من الهُوِي وهو: الوُقوع في الهلاك، أي: لا يوقعكم الشيطان في الضّلال، أو لا يوقعكم في الهوى الذي يضلّكم عن سبيل الله عزّ وجلّ، فإنّ الشيطان يتدرَّج في بني آدم شيئاً فشيئاً إلى أن يُهلكهم. فعلى المسلم أن يحذر من الشيطان واستدراجه واستهوائه، ولا يتساهل مع الشيطان في شيء ولو كان صغيراً فإنّه يكَبُر ويعظم.

ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا محمد؛ عبد الله ورسوله" هذا ما يمدح به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العبودية

والرسالة.

"ما أُحبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عزّ وجلّ " هذا بيان الحكمة في منعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أّنه خشي عليهم في مدحهم له أن يرفعوه فوق منزلته التي أنزله الله وهي العبوديّة والرّسالة، لئلا يعتقدوا فيه جانب الرّبوبيّة، كما حصل للنصارى في حقّ عيسى- عليه الصلاة والسلام-.

فعبده: فيه منع من الغلوّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>