ورسوله: فيه المنع من تنقص حقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا تعتبره أنّه لا ميزة له على البشر في شيء، كما يقول الكفار:{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ، لأنّه جُحودٌ للرّسالة.
ففي قولنا:"عبده ورسوله" منع من الإفراط ومن التفريط.
فهذان الحديثان يُستفاد منهما فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: فيه التحذير من الغلوّ في حقِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن طريق المديح، وأنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما يوصف بصفاته التي أعطاه الله إيّاها: العبوديّة والرِّسالة، أمّا أن يغلى في حقِّه فيوصف بأنّه يفرِّج الكروب ويغفر الذنوب، وأنّه يُستغاث به- عليه الصلاة والسلام - بعد وفاته، كما وقع فيه كثيرٌ من المخرِّفين اليوم فيما يسمّونه بالمدائح النبويّة في أشعارهم كـ "البردة" للبوصيري، وما قيل على نَسْجِها من المخرِّفين، فهذا غلوٌّ أوقع في الشرك، كما قال البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلاً وإلاّ قل يا زلّة القدم
فإنّ من جودك الدنيا وضرَّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
فهذا غلوٌّ- والعياذ بالله- أفضى إلى الكفر والشِّرْك، حتى لم يترُك لله شيئاً، كلّ شيء جعله للرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدنيا والآخرة للرّسول، علم اللوح والقلم للرّسول، لا ينقذ من العذاب يوم القيامة إلاّ الرّسول، إذاً ما بقي لله عزّ وجلّ؟.
وهذا من قصيدةٍ يتناقلونها ويحفظونها ويُنشدونها في الموالد.
وكذلك غيرها من الأشعار الكفريّة الشركيّة، خصوصاً ما يُنشد في الموالِد المبتدعة من الأناشيد الشركيّة، كلّ هذا سببه الغلوّ في الرّسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأمّا مدحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما وصفه الله به بأنّه عبدٌ ورسول، وأنّه أفضل الخلق، فهذا لا بأس به، كما جاء في أشعار الصّحابة الذين مدحوه، كشعر حسّان بن ثابت، وكعب بن زُهير، وكذلك كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، فهذه أشعار نزيهة طيِّبة، قد سمعها النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرّها، لأنّها ليس فيها شيءٌ من الغلو، وإنّما فيها ذكر أوصافه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.