للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقام عُكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عُكّاشة".

ــ

عن ما عزم عليه، هذا هو التّطيُّر، أما التفاؤل فهو مشروع، وكان النبي يعجبه الفَأْل، لأن الفَأْل حسن ظن بالله سبحانه وتعالى، أما الطِّيَرة فهي سوء الظن بالله.

فهؤلاء السبعون الألف استحقوا هذه المنزلة، لأنهم تركوا أموراً محرمة وهي الطيرة، أو مكروهة وهي طلب الرقية والكي من الناس، فهم تركوها استغناء عن الناس، وتوكلاً على الله سبحانه وتعالى.

أما أن الإنسان يَرْقِي نفسه أو يَرْقِي غيره، فهذا فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرقى نفسه ورقى غيره ورقاه غيره فلا كراهة في ذلك.

يبقى قضية التداوي بالمباح كالحبوب- مثلاً-، أو بالأعشاب، أو بإجراء العمليّات الجراحيّة: واستئصال الأورام أو الزوائد؛ فهذا مباح، من غير كراهة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تداووا ولا تداووا بحرام"، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أنزل الله داءاً إلاَّ وأنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله" ومن العلماء من يرى أن التداوي مستحب، ومن العلماء من يرى أنه واجب، والتدواي سواءً كان مباحاً أو مستحبًّا أو واجباً لا ينافي التوكل، لأن بعض الجهّال يقول: اتْرُك التدواي توكّلاً على الله، نقول: الأخذ بالأسباب لا ينافى التوكل، والتداوي سبب، والأخذ بالأسباب قد أمر الله تعالى به.

قوله: "فقام عُكّاشة بن مُحصَن" عُكّاشة بن مُحصَن الأسدي، من السابقين إلى الإسلام، شهد غزوة بدر، وغيرها من المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعاش بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقاتل في حروب الرّدة حتى قُتل، رضي الله عنه.

"فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم" هذا فيه مشروعيّة طلب الدعاء من أهل الخير، الأحياء، لأن هذا الصحابي طلب الدعاء من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرّه على ذلك، فدلّ على جواز، طلب الدعاء من الصالحين الأحياء.

"قال: أنت منهم" أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عُكّاشة من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>